الحسن اللحية
يشتد الأمر خطورة إذا كانت الوقيعة والعيب في العلماء
والدعاة والصالحين
مالك
بن دينار
لكل داء
دواء يستطب إلا الحماقة أعيت من
يداويها
عن موروثنا
الشعري
تقول المعاجم
و المأثورات اللغوية أن الحماقةُ مأخوذَةٌ مِن حَمِقَتْ السوقُ
إذا كَسَدَتْ. و الأحمق صاحب الحماقة كاسِدُ العَقلِ والرأي فلا يُشاوَرُ ولا
يُلتَفَتُ إليه في
أمرٍ مُهِم. وبِها سُميَّ الرجل أحمق لأنه لا يُمَيَّزُ كلامُهُ مِن رُعونَتِه.
ماذا لوكانت
كثير من قرارات الوزارة و مواقفنا و
تصوراتنا و تمثلاتنا لمهن التربية والتكوين حمقاء و تتسم بالرعونة؟
سنكرر هذا
الكلام ألف مرة ومرة لأن القضايا الشائكة في
نظام التربية والتكوين لا يمكن أن تحل
بالحماقات على حد قول الأعرابي. فقضايا
مثل الإدارة التربوية و مهنة التدريس و التفتيش و التوجيه والتخطيط لا يمكن أن
تكون القرارات فيها مطبوعة بالمزاجية أو التسرع
أو رد فعل . ونفس الأمر فيما يخص التكوين و التكوين الأساس و التكوين المستمر والترسيم والكفاءة التربوية و الامتحانات
المهنية و الترقية و التوظيف المباشر من عدمه ...إلخ، فهي قضايا من صميم المهنية
التي ينبغي أن يتصف بها أي ممتهن لمهن التربية والتكوين.
إن جميع هذه
المهن التي تمس المجتمع و الطفل و مستقبل الوطن يجب أن ترتبط بتعاقدات سياسية و تربوية حول الكفايات التي يجب
أن يتوفر عليها كل ممارس من هؤلاء، وهو ما يعني وجوب الاشتغال على مرجع كفاياتي
للمهن، مهن التربية و التكوين ، يصادق عليه البرلمان و الشركاء الاجتماعيين
والمهنيين ، وفي غياب ذلك لن نجد غير الحماقات و السجالات و الطائفية المهنية و
المذهبية النقابية والسياسية و الجمعوية و النزوعات الفردية.
ومناسبة هذا
الكلام ما يثار من نقاشات حول التفتيش
حاليا اختزلت نفسها في التوقيع على المحاضر من عدمه و في شبكة التقويم
والزيارات... و أشياء بسيطة لا أهمية لها في النقاش. و حاد النقاش
عن الأسئلة الفعلية التي تمس هوية مهن التربية والتكوين، ومنها مهنة
التفتيش التربوي.
إن النقاش
الفعلي المتعلق بالهوية المهنية للتفتيش يجب أن ينطلق من الأسئلة الجوهرية و
الأساسية التالية: أي تفتيش يريده المغرب (المغرب المؤسساتي والمدني- احزاب و نقابات- و الاجتماعي و
التربوي المهني)؟ أي تفتيش لمغرب المستقبل (استحضار التطور و المنعطفات التي
تعيشها المدرسة في علاقتها بمحيطها و العالم)؟ إن تساؤلاتنا هذه تهم رجل السياسة و النقابي والجمعوي والمهني والأب والأم و التلميذ(ة) .... ؛ و لذلك فإن
الإجابة عليها تفرض تصورا جديدا للمهنة و ثقافة جديدة وفق تعاقد حول مرجع كفاياتي –كما هو معمول به في
الدول المتقدمة- يحدد شكل الولوج إلى المهنة و المسار التكويني والحياة المهنية للتفتيش و آفاقه و حركيته
المهنية.
و الجانب
المظلم للوجه الآخر القمر الذي لا نراه و نتفادى طرحه ولو على سبيل التمرين الفكري
هو : كيف لأنظمة تربوية متقدمة عالميا يغيب فيها التفتيش التربوي نهائيا، وهي
أنظمة متطورة و ذات أداءات جيدة و الأمثلة كثيرة و لا حصر لها؟ فهل التفتيش مرتبط
بجودة الأداء أم أن بعض الأنظمة التربوية اعتادت على وجوده دونما التفكير بدونه؟
نذكر الجميع
أن السيد الوزير خلال جولاته كان يشكر جهاز التفتيش بلاحدود، و بعد ذلك صمت الجميع
ليستفيق الجميع على مستجدات إعادة هيكلة التفتيش و القضاء على المفتشية العامة
التي تعتبر الجهاز الإداري الذي يراقب المناهج و البرامج والعارف بتفاصيل المضامين
المدرسة.. و انتقل النقاش إلى شبه نقاش حينما عبر عن نفسه بالتوقيع على المحاضر
(نذكر بالنسب المنشورة في هذا الباب) و أغفل القضايا الأساسية المتمثلة في هوية
التفتيش و استقلاليتة المهنية والإدارية كما هو معمول به في العديد من الدول، و دورها في التقويم الشمولي للمنهاج الدراسي و
للأداءات المهنية...إلخ.
إن ضرورة وجود
التفتيش من عدمه تظل قضية، وضرورة تجديد أودواره هو تفكير جماعي و بحث جماعي كذلك؛
و لهذا وجبت ضرورة طرح ملف التفتيش اليوم
و غدا و مستقبلا ، في هذا العدد من جريدة
مدرسة الوطن أو في غيره، لإثارة النقاش و
مواصلته حول مهن التربية والتكوين بعامة و التفتيش بخاصة .
.jpg)