الأحد، 30 أبريل 2023
السبت، 29 أبريل 2023
ذ. محمد بادرة : الارتقاء بالإدارة التربوية مدخل لإصلاح و تأهيل المنظومة التعليمية
من الشائع جدا أن
المصطلحات المتداولة بكثرة في سوق التداول اللغوية تكون أكثر صعوبة
وتعقيدا في التعريف بها معجميا أو دلاليا أو تداوليا لان من شان كثرة الاستعمال أو التداول أو كثرة التنقل عبر حقول معرفية عديدة يسبب
في تراكم وتوالد أصناف و أجيال من التجديد اللغوي المقترن بهذه المصطلحات المتداولة, كما أن انتشار
هذه التعاريف الدقيقة وغير الدقيقة تسبب في فوضى لغوية - مفاهيمية فتترسب في وعي ولاوعي مستعملي هذه المفردات
والمصطلحات مما ينتج عن ذالك تداخل وعراك
وتصادم لغوي بين مجموعات لغوية تنتمي إلى
أسرة لسنية واحدة , واللغة أصلا( ليست
مجرد أداة للتعبير عن المعرفة بل هي في الأساس أداة التعرف الوحيدة على العالم
والذات وهي من تم أهم أدوات الإنسان في امتلاك
هذا العالم والتعامل معه )د-نصر
حامد أبو زيد (النص-السلطة-الحقيقة )ص189 .
إن الكلمات و
الألفاظ كما يقول علماء اللغة تعيش مع الناس وتنتقل معهم من جيل إلى جيل وفي انتقالها
تكسب دلالات اجتماعية يتعارف الناس عليها , وقد يتسع مدلولها وقد يضيق ويتخصص كما قد يصبح مبتذلا وكل هذا يحدث تبعا للتطور
الفكري والحضاري وتغير ظروف الحياة التي نعيشها ,وعلى سبيل المثال فان ألفاظا من
قبيل : تربية –تكوين -إدارة -.......أصبحت لها دلالات متعددة غير الدلالات التي
كان متعارفا عليها في العصور القديمة ,لذا
ينبغي أن نحتاط في استعمال وتداول مثل هذه
المفردات و إلا اختلطت علينا معانيها
واضطربت في لدهاننا وقد تستقر في ذاكرتنا
على صورتها المضطربة وعليه فلابد من
الاستعانة بالمعاجم اللغوية القديمة منها والحديثة للوقوف عند نمو وتطور هذه
المفردات والمصطلحات اللغوية على مر
العصور سواء في تطورها السانكروني أو
الدياكروني أو في تراكيبها وأساليبها و من حيث قواعد نحوها وصرفها تبعا لتطور
الناطقين بها فكريا وحضاريا واجتماعيا وان
كثيرا من صيغها وألفاظها تتغير في مدلولاتها
ومفاهيمها نتيجة لعوامل وظروف
طبيعية وحضارية مختلفة ولقد صرح
الدكتور جونسون JOHNSON بقوله(عندما نتفحص البنية العامة للغة من اللغات فان من ا لمهم أن
نتتبع توالد المفردات بعضها من بعض وذالك بملاحظة صيغ الاشتقاق والتصريف المعتادة )
وبناء عليه كان
لازما أن نخضع المفهومين (التربية والإدارة
)لمقاربات لغوية عدة :
1 -مفهوم التربية :
لقد مارس الإنسان
(التربية منذ القدم مما جعل مفهومها يشيع ويتداول
بين الجميع إلى درجة أن تعريفها يبدو لأول وهلة سهل المنال ولكن وبمجرد المحاولة للقيام بذالك
يتبدد هذا الاعتقاد ويدرك الفرد أن تعريف التربية هو من قبيل السهل الممتنع ولذا
فلا غرابة أن نجد الأدبيات التربوية تزخر بتعاريف كثيرة ومختلفة للتربية تسند إلى
مقاربات عدة ومتباينة )
سلسلة التكوين
التربوي (1)-ما هي علوم التربية ص:97-98
ومن التعاريف التي استقيناها واخترنا منها مقاربات متعددة لمفهوم التربية :
المقاربة
المعجمية الاشتقاقية
يبين المعجم
الاشتقاقي dictionnaire
Etymologique لدوزات douzat أن اصل كلمة تربية Education لها مصدر مزدوج لاتيني مكون من
لفظتي Educare وEducere وتشير لفظة Educare إلى
فعل (غذى) أما لفظة Educere فتدل على(اخرج من)و(قاد إلى)و(رافق
إلى) وهكذا تأتي المقاربة الاشتقاقية لتحدد لنا التربية كغذاء ’مادي’(طعام)
أو" تمرينات رياضية ".....وكذا الغذاء المعنوي والمعرفي منه و الأخلاقي
,,,,وهذا الغذاء هو الذي يقود الفرد إلى السمو والنمو أي انه غذاء منمي
وفي معجم Robert جاءت التربية للدلالة على" مجموع الوسائل"
التي بواسطتها نوجه نمو وتكوين الكائن الإنساني وكذالك "النتائج"
المحصلة بواسطة هذه الوسائل
المرجع السابق ص
38
وفي اللغة العربية,صيغت التربية من فعل(ربى)
الرباعي ,أي غذى الولد وجعله ينمو ,وربى الولد :هذبه .واصلها "ربا""يربو"أي (زاد )و(نما
)ومن جعل أصلها (رب)فلابد ان يجعل المصدر تربية.
يقال(رب القوم
ساسهم,,,,ورب النعمة زادها ,ورب الولد رباه حتى أدركه.)وصفوة القول ان التربية عند
العرب تفيد السياسة والقيادة والتنمية
.وكان الفلاسفة العرب يسمون هذا الفن (سياسة) كما هو معروف عند ابن سينا في رسالته
"سياسة الرجل أهله وولده " وكان
العرب يسمون الذي ينشئ الولد ويرعاه "المؤدب
"و"المهذب"و"المربي"و"المعلم" غير ان لفظة
"المؤدب" أشيع ,,,أما "المعلم"فاصطلاح يفيد(التلقين),,,ولذالك
كان التعليم شيئا والتربية شيئا آخر أو قل ان التربية تحمل معنى أخلاقيا والتعليم
معنى علميا .انظر:احمد علي الفنيش:التربية الاستقصائية –الدار العربية للكتاب
1975-ص:39/40
المقاربة الفردية
في تعريفه
للتربية يرى هربا رت Herbart أن هدف التربية هو(تكوين الفرد لذاته بان تثير لديه تعددية الاهتمامات )
المرجع السابق
ص39
إن هربا رت يرى
التربية وسيلة لتثقيف القدرات و الإمكانات الذاتية عن طريق تمتيع الفرد بحريته
واحترام الآخرين لخصوصيته الفردية والذاتية
المقاربة الاجتماعية:
إن التربية في
نظر دوركهايم Durkheim هي
(عملية تمارسها الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد النضج اللازم للحياة
الاجتماعية,,,وتثير عدد من الحالات الجسمية والفكرية و الأخلاقية التي
يتطلبها منه المجتمع السياسي ,,,والوسط الاجتماعي )
المرجع السابق
ص39
هذا التعريف
يعتبر التربية آلية من آليات الضبط الاجتماعي حيث الفرد ملزم بالخضوع للسلطة
الاجتماعية حتى يتقو لب ويتشكلن وفق النمط الاجتماعي المرغوب فيه
المقاربة الإنسانية :
إن التربية في
نظر ربول Reboul هي
عملية(تسمح للكائن الإنساني بتنمية قدراته الجسمية والعقلية وكذالك عواطفه
الاجتماعية والجمالية والأخلاقية بهدف تحقيق مهمته كانسان ) ص40
يستنتج من خلال
تعدد هذه المقاربات صعوبة الالتفاف حول مفهوم مقنن ومحدد للتربية :
- إن التربية
تشمل جميع نشاطات الإنسان الاجتماعية والنفسية والثقافية والسياسية والرياضية
- إن التربية
تشمل حياة الطفل و الأسرة والمدرسة والمعمل والشارع والملعب ووسائل الإعلام
,,,وبالتالي فهي تتمدد وتتقلص حسب مجالها وموضوعها وتتلبس بلباس التربية والتعليم
والترويض والتكوين والتعلم ,,,,و و,, و
-إن التربية قد
تحصر في التعليم المدرسي كما عند الانكلوساكسونيين ,فدولاندشير DelandSheere
يتحدث في مؤلفاته عن التربية المدرسية وقد تصبح التربية اكبر من التعليم المدرسي
كما عند الفرانكوفونيين, حيث التربية
شاملة لأنها تهتم وتحيط بكل مؤسسات المجتمع و الأمة كالأسرة ووسائل الإعلام والجمعيات والمنظمات
وتلامس كل شؤون وميادين الحياة الإنسانية وهكذا يظهر مفهوم التربية كاصطلاح واسع
وضيق في آن فهو يتحرك ويتمدد , يتقلص و يتقزم .....وفق المنظور التربوي
الخاص أو حسب المرجعية النظرية المعتمد
عليها
2 - مفهوم الإدارة
للإدارة في
الاصطلاح مفهومان ,احدهما عضوي والثاني وظيفي :
-إن الإدارة
بالمفهوم العضوي هي مجموع (الأجهزة والهيئات و الأشخاص العامة المحددة الهوية
والمعالم ,,,,تقوم بتقديم خدمات للمواطنين
و تتمفصل حول مجموعة من العناصر المادية والتقنية –بنايات وتجهيزات –ويحركها
العنصر البشري المتمثل في الموظفين
والمستخدمين والأعوان –الموارد البشرية-وترصد لتسييرها مخصصات مالية)
احمد البخاري
(القانون الإداري العلمي ) الجزء 1_ص:21
والإدارة بهذا
المفهوم ينظر ليها من زاويتين :
-زاوية التموقع الجغرافي .وزاوية المجال الذي
تمارس فيه اختصاصاتها
ü
زاوية التموقع
الجغرافي :إن زاوية التموقع الجغرافي أو الترابي نكون فيه أمام نوعين من الأجهزة الإدارية
أ-الإدارة
الوطنية وهي الإدارة المركزية –ب-الإدارة الترابية وهي مجموع الأجهزة والهيئات الإدارية المبثوثة في كل التراب الوطني ,وتتولى تنفيذ
قرارات الأجهزة المركزية على المستوى المحلي في حدود اختصاصاتها
ü
-زاوية المجال
الذي تمارس فيه الإدارة اختصاصاتها وهي عبارة عن هيئات متخصصة في إدارة ذات اختصاص
عام وإدارة ذات اختصاص قطاعي
-الإدارة بالمفهوم الوظيفي وهي
مجموع الأنشطة التي تقوم بها الأجهزة والهيئات المعتبرة إدارة أي ما تؤديه هذه
الهيئات من وظائف وهي متنوعة بتنوع مناحي
حياة المواطنين ومتشعبة بتشعب حاجياتهم ك : محو الأمية –التعليم –الصحة-الدفاع عن
الحدود-الاستثمار-التشغيل –الأمن –بناء السدود-.الفلاحة-التعمير –السكن .........ويلاحظ
على هذه الأنشطة جميعا وحدة الغاية وهي خدمة المواطن والوطن أي أنها تستهدف النفع
العام
المرجع السابق
ص24
أنماط
تنظيم الإدارة
يتم تنظيم الإدارة
وفق احد الأنماط التالية :
-1-الأسلوب المركزي وفيه تتم مركزة التسيير
الإداري لشؤون الدولة في يد الأجهزة الإدارية القائمة في العاصمة بحيث تسير الشؤون العامة عن بعد
وينحصر دور ممثلي الإدارة على مستوى الأقاليم
في تنفيذ التعليمات الصادرة عن المركز
-2-الأسلوب
اللامركزي: وفيه يتم توزيع سلطة تدبير
الشؤون العامة بين الهيئات الإدارية المركزية في العاصمة (الوزارات)وبين أجهزة إدارية
جهوية ومحلية
-3-الأسلوب
اللامتمركز: وهو أسلوب تسمح فيه الدولة
بتخويل الوحدات الإدارية المحلية مسؤولية
القرارات التي لا تتعدى آثارها حدود الدائرة الترابية وهنا يتعلق الأمر بنقل السلطة ونقل ا لمسؤولية
لكنه نقل جزئي يقتصر على بعض الشؤون
المحلية
وهكذا فالإدارة
بمفهومها العضوي والوظيفي هي احد مظاهر تجسيد الدولة بل أهم تجلياتها وهذا الحضور
المكثف للإدارة هو الذي جعل اغلب الناس لا
يعرفون من الدولة سوى الإدارة
والإدارة
المغربية شانها شان مثيلاتها في الدول الثالثية تعتريها نقط الضعف وهي وراء التباطؤات
والاختلالات التي تعرقل تنفيذ سياسات التنمية , ومن العلل الإدارية كما شخصها تقرير البنك الدولي سنة 1955 :
-وجود أنظمة هيكلية مركزية متجاوزة
-اعتماد نمط عتيق في تدبير الشأن
العمومي
-الرزوح تحت وطأة البيروقراطية
والتمكتب
-اعتماد مساطر جامدة وقليلة الشفافية
أما على مستوى الإدارة
التربوية فثمة معوقات كثيرة من أهمها :
-بنيات إدارية
عمودية منعزلة
-تمركز سلطة
القرار بالإدارة المركزية
-ضعف إشراك
الفاعلين والمعنيين المباشرين بالتعليم في القرار والتدبير
-انعدام التكوين
آو نقصه آو ضعفه
الإدارة التربوية
تتقاسم الإدارة
التربوية الخطوط مع الإدارة بشكل عام لأنها جزء من الإدارة العامة لهما نفس
المقومات فيما يتعلق باتخاذ القرارات وتنفيذها وفي نفس الآن تستقل الإدارة
التربوية عن القطاعات الإدارية الأخرى لكونها :
-تستهدف تأهيل الإنسان
استعدادا للاندماج في الحياة العامة
-تستهدف صناعة
الفرد وفق المقاييس التي يريدها المجتمع
-تستعين بكل
مكونات المجتمع لأجل صيانته وصيانة القيم والأخلاق
-لا تسعى للربح
المادي وإنما الربح المعنوي
-تستمد قوانينها وأصولها
ومناهج عملها من فلسفات التربية وبذالك تكون الإدارة التربوية مستقلة في الأهداف عن الإدارة العامة(رغم التشابه في الإطار
العام) لأنها تستمد مادتها وفلسفتها من الخبرات والتجارب التربوية وتعني بالممارسة والطريقة التي توضع بها أهداف ومرامي
التربية موضع التنفيذ والتطبيق وتسهر على
(احترام مبادئ النظام التربوي وتطبيق مقتضياته ,,,,,و-وتتنوع-في مهامها المتمثلة
في التأطير والتنشيط والمراقبة والتسيير
وربط الصلة بين المؤسسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي ........-وهي-القادرة
على خلق مناخ تطبعه الحيوية ويسوده التعاون والتفاهم لجعل كل هياكل المؤسسة
تتحرك في تناسق وانسجام لتحقيق الأغراض
المنشودة )
محمد خديري –منشورات
CADAPP ص:1_1988
وللإدارة
التربوية ثلاث مستويات :
-مستوى مركزي
يتمثل في الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية
-مستوى لا مركزي
ويتمثل في الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية
-مستوى إجرائي
ويتمثل في الإدارة المدرسية وهذه الأخيرة هي الإدارة المسؤولة عن تسيير العملية
التعليمية وهي تعمل تحت إشراف الإدارة التربوية وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية كما أنها مجبرة
على التقييد بالمناهج والقوانين والتنظيمات والمساطر والمذكرات المقررة و-المنزلة-
من أعلى سلطة تقريرية في قطاع التربية والتكوين. ومن المعروف أن الإدارة التربوية
بالمؤسسة الثانوية في المغرب تنبني على مهام ثلاث :
-مهمة التدبير
المالي
-مهمة التسيير الإداري
-مهمة التسيير
التربوي
وهذه المهام
الثلاث تكون متداخلة إلى حد يصعب التمييز بينها حيث تؤدي كل واحدة منها إلى الأخرى
في جدلية تجعلها متكاملة
والمثير في هذه
المهام أنها تتجمع في يد واحدة هي رئيس
المؤسسة وبمساعدة اطر إدارية معينة بنفس الطريقة ومفروضة على رئيس المؤسسة
(المدير) كما هو مفروض عليها مما يغيب معه تكوين فريق عمل إداري –تربوي متجانس
ومتكامل كما تقتضي الشروط التربوية ذالك
واقع الإدارة التربوية
بقيت الإدارة
التربوية خارج المبادرة الإصلاحية التي عرفها النظام التعليمي بعد انطلاق عشرية
الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيث مس الإصلاح نظام الامتحانات والتوجيه
والبرامج والمناهج والمقررات والكتب المدرسية ,,,غير أن الإدارة المدرسية بقيت
بمعزل عن الإصلاح والتأهيل التربوي والإداري مما انعكس سلبا على وضعية الإدارة
المدرسية,فباستثناء بعض الأيام التكوينية التي برمجت وتبرمج في إطار البرنامج ألاستعجالي وهي أيام استعجاليه
تستعجل بنا تكوينا وتأهيلا نحو"
مستعجلات الإدارة " من تعلم أبجديات الرقانة على الحاسوب واستخراج أو استدخال
المعطيات الرقمية للخريطة المدرسية وتامين الزمن المدرسي إلى غير ذالك من المستحدثات الاستعجالية في
البرنامج ألاستعجالي , وكان المدير أضيفت
له بشكل استعجالي مهام كتابة الضبط
الجديدة إضافة إلى المهام الأخرى غير المتناهية في غياب اطر إدارية مختصة
ومؤهلة؟؟
أما على مستوى
التشريع المدرسي فلم تحظ الإدارة التربوية
بأي تطور أو اجتهاد ولم يخضع أفرادها لا للتصنيف القانوني ولا للتصنيف التربوي اد يغيب أي تقنين لموقع المدير داخل المؤسسة الشيء
الذي يخلف صعوبات في التواصل المدرسي بين أعضاء
المجتمع الداخلي للمدرسة وينطبق نفس الوضع
على موقع ومهمة الناظر آو الحارس العام آو
حارس الخارجية الذين يقومون بنفس ادوار المدير أو ينوبون عنه في إدارة الشؤون الإدارية
والتربوية :يشاركون في المجالس التقنية –يراقبون
تنفيذ البرامج التعليمية –يتدخلون في كل جوانب الحياة المدرسية للتلميذ –يشاركون
في التنظيم و الإشراف على الامتحانات -
ومن أهم معوقات الإدارة
التربوية بالمؤسسات التعليمية وخصوصا
مؤسسات التعليم الثانوي :
-تداخل الاختصاصات والمهام وعدم وضوحها
-عدم وضوح
العلاقة بين مختلف اطر الإدارة التربوية في المؤسسة
-طغيان المهام الإدارية
المكتبية على المهام التربوية والتاطيرية
-شلل المجالس
التقنية أو دورها الشكلي
-قلة التجهيزات
ووسائل العمل
-قلة الأطر الإدارية
المختصة (الإعلاميات –التواصل –المالية –التنشيط ,,,)
الارتقاء بالإدارة التربوية
إن علوم التربية
تتطور بسرعة فائقة يصعب معها في دوامة حياتنا المعاصرة ملاحقة كل جزئياتها
وعناصرها لا لعجز عضوي أو لموانع ذاتية وإنما
لأسباب موضوعية كثيرة لكن هذه الصعوبات والعوائق لا يجب أن تمنعنا من ضرورة تحديث
وتجديد المنظومة التربوية عبر تغيير فلسفة وبنية و أوضاع الإدارة التربوية
إن التغيير
والتجديد لا نعني به إلا استيعاب فلسفة الجودة في المجال التربوي وبناء أسس الإدارة
التربوية الحديثة القادرة على تدبير المشكلات التربوية وتنظيم قواعد التدخل الإداري
–التربوي لإزاحة المتاريس أمام المشاريع الجادة
مع القدرة على التنظيم الاستراتيجي لأطر وأعوان الإدارة حيث يكونوا قوة وأداة لوجيستيكية لتنظيم وتصريف الفعل التربوي داخل الفضاء
المؤسسي ويكونوا كذالك قوة عقلانية لتنظيم
مجال التسيير الاداي والمالي وهذا المبتغى
لا يمكن تحقيقه إلا إذا انطلقنا من مبدأ تغيير الدهنيات والعقليات والقضاء على نمط
التفكير التقليدي الجامد الذي يقوم على قاعدة المثل الرائج (هذا ما درجت الإدارة
عليه فلنحافظ عليه)
و أول طريق نحو
التغيير والتجديد هو تتبيث اللامركزية
كاختيار استراتيجي لا محيد عنه في عملية التغيير لان الفلسفة العميقة لهذا المبدأ يقتضي القرب من مصدر المشكلات التعليمية
والتعلمية بمختلف مظاهرها المادية
والبشرية والاجتماعية والمعرفية وان اللامركزية
في الإدارة التربوية تعني استثمار البعد العقلاني في تدبير الزمن التربوي وتجاوز النمطية البيروقراطية للإدارة
الكلاسيكية صعودا وهبوطا
بهذا المعنى
الفلسفي الجديد نستطيع إجلاء العثاقة والبيروقراطية
عن الإدارة التربوية ونؤسس في المقابل
نموذجا للتعامل القائم على التواصل وهذا التواصل
هو الذي يمكن أن يؤدي إلى دمقرطة الإدارة التربوية نظرا لكون هذه الأخيرة تتحكم فيها علاقات تحكمية يتواصل فيها أفراد هذه الإدارة من خلال
مستوى ومدى تطبيق القوانين والإجراءات والمذكرات والنصوص مع حضور قليل للجانب التربوي الذي لا يعدوا أن يكون مناسباتيا
إن العلاقات الإدارية
تفسح المجال لممارسات تنعدم فيها الاستشارة الداخلية أو توسيع دائرة التشارك بحيث أصبحت الديموقراطية مفهوما غريبا –مرفوضا من شانه
الكشف عن سوءات بعض المسؤولين عن الشأن التربوي
هكذا يعتبر إصلاح
الإدارة التربوية في نفس مستوى إصلاح
المناهج والبرامج الدراسية ,,,فجهاز الإدارة هو المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات
تقطيع وتنظيم انتقال المعلومات والمقررات
التربوية من الأعلى إلى الأدنى ضمن اطر محددة تمر عبر سلسلة من المستويات
الإدارية فالإدارة التربوية
التعليمية هي (الكيفية التي يدار بها التعليم في دولة ما وفق ايدولوجية المجتمع والاتجاهات الفكرية والتربوية السائدة فيه حتى تتحقق الأهداف المرجوة منه نتيجة تنفيذ
السياسة المرسومة له)
ذ-عبد العزيز
سليمان "الاتجاهات التربوية المعاصرة "دراسة مقارنة –ط3 –ص:127
وبالتالي فان عدم
تحقيق الأهداف المرسومة للإدارة التربوية يفرض ضرورة البحث عن الاختلالات وحصرها
تمهيدا لاحتوائها وإزالتها تدريجيا
كيف نؤسس لإدارة تربوية فاعلة ومتحررة؟
أولا :إعادة
النظر في القوانين التنظيمية للمؤسسات التعليمية بصفة عامة و الثانويات خصوصا بحيث يجب إخراج مسطرة
تنظيمية جديدة و اوركانيكرام جديد لمهام الأطر الرادارية والمساعدين الإداريين والأعوان
مع تقسيم السلط وتنظيمها بين كل إفراد الإدارة التربوية بشكل متعادل
ومتجانس حتى لا يقع الإخلال
بدواليب التسيير الإداري والتربوي للمؤسسة لان الموجود الآن هو الفوضى حيث
لا تعرف حدود المسؤولية عند هذا الطرف أو ذاك وان كان أن المدير يبقى هو الطرف
المسؤول بداية ونهاية ,مبتدأ وخبرا, فأين تبدأ مهام الحارس العام وأين تنتهي وهل
يسال كما يسال المدير ويحاسب كما يحاسب المدير ؟وابن تبدأ مهمة الناظر وأين تقف
وهو القريب جدا من المدير ولكنه لا يحاسب كما يحاسب الأول ؟ هل العون مسؤول على
النظافة والحراسة وتنظيم الدخول والخروج أم انه
الآن أصبح يصنف ضمن الهيئة التقنية وأية تقنية نعني ؟؟هل المقتصد له دور آخر
غير الجباية والتبضع للمؤسسة بصفته متصرفا ومحاسبا ؟هل المحضر مسؤول تربوي أم محافظ على التجهيزات المختبرية
؟
إن المدير نراه
اليوم يقوم بكل هذه المهام الإدارية والتربوية والمالية بل وحتى التنقل لنقل البريد اليومي والاتصال بالمصالح
الخارجة :فيشرف على تنفيذ الخريطة المدرسية –وينظم ويشرف على الامتحانات –ويترأس
المجالس التقنية –و يتتبع تنفيذ البرامج التعليمية- ويشرف على الأنشطة الموازية – ويتحمل
مسؤولية الحفاظ على التجهيزات والممتلكات –والاتصال والتواصل مع آباء و أولياء أمور التلاميذ وجمعيتهم –ثم المراقبة
المستمرة –وهي كلها أعمال إدارية وتربوية يتحملها معه طاقم الإدارة لكن في
غياب محاسبة تقصير كل الأطراف إلا المدير فهو المسؤول الأول والأخير والمعني –المتهم في التقصير –؟؟؟ بل إن لجن التفتيش
لا تعرف إلا مكتب المدير وحده وملفاته
ووثائقه .
لذا يجب إخراج
مدونة إدارية تربوية تحدد وتوزع المهام بشكل واضح ومتكامل على صعيد العلاقات الأفقية والعمودية
ثانيا :الحرص على
تعزيز الإدارة التربوية بأطر وأدوات التواصل والاتصال حتى تكون هذه الاذارة قريبة
من مصدر المشكلات التعليمية في مختلف مظاهرها المادية والمالية والبشرية والاجتماعية مع ضرورة تفعيل أساليب
المشاركة والتحفيز والتعاون داخل التنظيم المدرسي عبر إنشاء (فرق عمل) أو(وحدات
ذاتية)أو ما يسمى (فرق المشروع )ومن شان هذه الفرق انجاز برامج في المواقع التي
تطرح فيها المشكلات المادية والتربوية والمعرفية
وهذه الفرق عليها أن تتصف :
-السرعة في
التنفيذ
-التواجد في موقع
المشكلات التربوية
-الإنتاجية
والعمل داخل مشروع محدد
-سرعة التنقل
الجغرافي والتنظيمي داخل المؤسسة
ثالثا :التكوينات
النظرية والتطبيقية والميدانية للأطر الإدارية كافة وهي من الوسائل التي يمكنها ان
تعمل على تقليص الاختلالات آو مواجهتها مع تزويد هذه الموارد البشرية الإدارية بأساليب
الإدارة الحديثة وزرع أشكال القيادة الديمقراطية التي توسع من أشكال المشاركة وتقلص من الانحراف
وترفع من المرد ودية وحس المسؤولية لدى
الفاعلين .
هكذا فالمسالة لا
تعني -بهذا التصور- المدير آو نائبه بل ان
الأطر الإدارية كلها معنية بإعادة تكوينها معرفيا وتقنيا لان الإجراءات المعلنة في الميثاق الوطني
للتربية والتكوين في مجال الإدارة
التربوية ترمي إلى إرساء النموذج
التنظيمي اللامركزي مما يتطلب تأهيلا متعدد المستويات للإدارة التربوية أفقيا وعموديا .
ذ : محمد بادرة : أستاذ باحث ومدير ثانوية
الحسن اللحية: الإبداعية البيداغوجية
تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة؛ فلاح يغذيها و جندي يحميها
و معلم يربيها
عن جبران خليل جبران
يتكفل الآباء بعيش أبنائهم، و يؤمن المعلمون العيش
الكريم للجميع
عن أرسطو طاليس
ميز
فليب ميريو انطلاقا من الطريقة التي يدرك من خلالها التفريق بين التلاميذ بين تصورين
نظريين كبيرين في البيداغوجيا الفارقية، حيث نجد التشخيص القبلي أو التدبير
التكنوقراطي للفوارق من جانب أول والإبداعية المنظمة أو القصدية القائمة على
الإبداع والضبط من جانب آخر.
و
يرى فليب ميريو أن التشخيص القبلي يقود إلى انحسار بيداغوجي سواء تعلق الأمر
بعقلنة الوضعية التعلمية بغاية بلوغ تبولوجيا للعمليات الذهنية التي يمكن معالجتها
أو الأخذ بعين الاعتبار جميع الفروق (الرمزية والعاطفية والاجتماعية) في استثمار
بلا حدود.
يتجلى الانحسار
في كون أنه لا علاج بيداغوجي يمكن استخلاصه ميكانيكيا من خصائص الموضوعات
التي ليست في واقع الحال سوى موشيرات للموثوقية بالمقارنة مع المقترحات
الديداكتيكية التي نتخيلها هناك دوما.
ويخلص
ميريو في الأخير إلى أن التدبير التقنوقراطي للفروق يساهم في سلبية مكانة الذات في
تربيتها الخاصة. فهو يخلط بين تكوين الأشخاص وصناعة الأشياء.
فالإبداعية
المنتظمة لا تتوقف عند بيداغوجيا الأسباب، بل تتوخى الشروط.، كما أنها تتقبل الواقعية
التي لا رجعة فيها القائلة بأنه ليس لدي سلطة مباشرة على وعي الآخر ولا يمكنني في جميع
الحالات الاشتغال على تعلماته بشكل ميكانيكي.
إن
الإبداعية في الممارسة البيداغوجية تعطي الحق للمدرس في الفعل ورد الفعل وسن طرق
ووضعيات وعدد و تقنيات وأدوات بيداغوجية لتسمح للتلاميذ باختلافهم بالتعلم.
تجهتد
هذه البيداغوجيا لتفكر في الشروط نفسها لخلق فضاءات وتوفير أدوات وإغناء المحيط
والسماح بالتعبير؛ فهي مهتمة بجعل القسم مكانا للأمن بدون ضغط تقويمي دائم، ودون
سخرية أو تهكم في حالة الارتباك أو الفشل. كما أنها تشجع على الرؤية الإيجابية
وغير المتوقع وتنمية خيال التلميذ حتى يستطيع كل تلميذ في فارقيته إيجاد ما يسمح
له بالتعلم. كما تعمل على إبداع وسائل جديدة بلا توقف.
والحاصل
أن رهان البيداغوجيا الفارقية يرتبط بنموذج المجتمع المتطلع إليه فقط ، بل يرتبط
بالتلميذ أساسا.
هناك
نموذج آخر هو النموذج التقنوقراطي الذي يضع كل فرد في مكان قار، نموذج ينهل من
العلم حول الفوارق بين الأفراد حتى يستطيع التخطيط أوالاستبعاد و التصنيف و
القولبة و الضبط و التحكم ...إلخ.
نجد في
المدرسة هذه المحاولة التوتاليتارية التي تدفع بمنطق العقلنة والتحكم إلى أقصى
الأقصى مما يجعل هذا المنطق المتطرف يفضي إلى مدرسة حيث العلماء يعرفون مسبقا
"شخصية" تلاميذهم- المرضى، وبالتالي يمكنهم وصف العلاجات وبرمجتها
للوصول إلى المعارف التي حددوها. فمثل هذا النظام يتوخى، باسم الخير العام، تحديد،
بالنسبة لكل فرد، مستوى العمليات الذهنية الفعلية والمكتسبات السابقة البنيوية
والوظيفية، ونوع العلاقة مع المعرفة والتوجه الليبدي والاندفاعي، والاستراتيجيات
التعلمية لكل فرد في المجال المعرفي والعاطفي والحسحركي ومستوى الانتباه وإيقاع
التحصيل ودرجة المرونة الابستيمولوجية ونسبة الاندماج في المجتمع.
هناك
من جانب آخر إيديولوجيا علمية كاملة تنطلق من النزعة البيولوجية مدافعة عن وهم أو
يوتوبيا المساواة، معتبرة أنه على التربية أن تنطلق من المعطيات البيولوجية للوصول
إلى غائية ساذجة. وإنه لمن الخطورة بما كان أن نضع المدرسة في مهب الإيديولوجيا
البيولوجية بحتميتها الصارمة التي تعتبر الإنسان حيوانا كباقي الحيوانات.
فأمام
هذا السيناريو الكارثي – الذي ليس فعليا خالصا- ولحسن الحظ فإن الذات الإنسانية
تقاوم دائما، هناك من يرى بأن الغاية القصوى للبيداغوجيا الفارقية هي تحرير الفرد
باعتباره كائنا حرا ومستقلا يتمثل مشروعه السوسيوسياسي في مجيء مجتمع متعدد، حيث
يجد كل فرد في أي لحظة جميع الفرص للتفتح الأخلاقي والاجتماعي.
وحاصل
ذلك أن هذه البيداغوجيا ترتكز على الفرد، على فرادة الفرد، على نوعيته في اختلافه
حتى تمنحه كل إمكانات التفتح. وإذا ما استحضرنا
تصور جون بيير أستولفي فإن مشروعا مثل هذا المشروع يكون وفيا لروح المعبئين
للفارقية البيداغوجة حيث يظل الرهان بالنسبة إليها مرتبطا بدمقرطة التعليم. إنه
الإجهاد من أجل تشغيل ساكنة من التلاميذ غير متجانسة أكثر فأكثر داخل نفس الأقسام
تجتمع أكبر مدة زمنية ممكنة. ولبلوغ ذلك وجب اقتراح، بالنسبة للجميع، تنويعا في
الأنشطة والعدد المؤسساتية لبلوغ الأهداف المرسومة. فدمقرطة النجاح المدرسي تناقض
التوحيد المقارن الذي يصنف التلاميذ فيما بينهم ويترجم الفوارق باللامساواة.
عبد الكريم حنين: معذرة.. لا تحزن يا عزيزي المثقف
معذرة.. لا تحزن يا
عزيزي المثقف
إن الذي يشجع الباحث على مواصلة بحثه وتنقيبه
، ويعينه على الإجابة عن أسئلته الحارقة والاشتباك مع القضايا المعرفية ، وجود مكتبة توفر له مصادر ومراجع للبحث أو
القضية التي يشتغل عليها لما في فضاء المكتبة من جو يدمجه في فضاء البحث والتكوين.
إذ المكتبة لا توفر له المراجع والمصادر
البحثية فقط ، بل توفر له جوا معرفيا باعثا على التنقيب ومحفزا على البحث بل يخلق
له فضاءً و محيطاً . وذلك راجع بطبيعة الحال لما يخلقه الفضاء من قوة وتأثر، وما
يتركه المحيط في النفس من بالغ الأثر ، فإذا كان للمستشفى روح تسكنه ، وإذا كانت
للمحكمة روحا تسكنها ، وللمسجد ودور العبادة روحا تسكنها ، يشعر بها كل زائر أو
مرتاد ، فإن للمكتبة كذلك روحا تخلق جوا
لمرتاديها ، ويشعر بها كل من ولجها ، كما تتذكر ذلك أنت الآن
أيها القارئ الكريم .
لكن
الأمر الذي يعوقنا هو ندرة هذه المكتبات
وقلتها بل انعدامها في بعض الأماكن ، بل وتمركزها في مدن بعينها (المركز) وضعف المكتبات البلدية/المحلية ، والتي إن وجدت فإن كتبها لا تشجع على البحث ،
لأن معظمها كتب موجهة للتلاميذ (كتب مدرسية لحل نماذج الامتحانات) أو كتب تراثية
في نمط محدد من التراث لأن في الغالب من يكون هذه المكتبات بعيدا عن الكتب وعالمها
وعن البحث وإشكالاته . وكذا لصعوبة تشكيل المكتبات الخاصة والشخصية (المنزلية) لكل
باحث .
ففي
ظل هذا الجو يلجآ الطلبة للمقاهي باعتبارها الملاذ الوحيد للقراءة أو الكتابة
وأحيانا للتأمل . لكن المقهى كما لا يخفى عليكم ليست مكانا للفعل القرائي وحده مع
الأسف، وليس فضاء يجلسه القراء والمثقفون فقط ( مع الاشارة إلى ندرة المقاهي
الثقافية) ، بل هي مكان للبطالين العاطلين/ المعطلين ، الذين لا شغل لهم سوى لوك اللسان باغتياب سكان الحي
ولمز بنات الجيران والحديث عن أعراضهن ، والبحث في محددات الجغرافيا الجسمية
للمرات ، والنظر في فلسفة تاريخ المَارِين ، عن عوامل السقوط ومعيقات النهوض .
وهكذا أصبحت المقهى مفر جدلي لفئتين ونمطين من الناس ، الفار من بيته ليقرأ ويتصفح كتبه
ليوسع جغرافيا فكره ويؤثث تاريخ وعيه ،
والفار من بيته العاشق للتاريخ وللجغرافيا لكن في اتجاه آخر .....
فيجلس القارئ بالمقهى في مكان فارغ ، فما أن
ينغمس في قراءة كتابه أو إنجاز بحثه ، حتى ينسل من بين يديه أو من خلفه رهط من
الناس (وكأن قانون الجذب يجلبهم إليه.. عجيب) يقعدون بجنبه لا لشيء إلا ليعكروا عليه صفوه
ويقطعوا عليه خلوته ، ومن طبيعة الحال لا يمكن أن ينكدوا عليه فقط ، بل لنزعتهم
الشيوعية وثقافتهم الاشتراكية ، يسارعون إلى إشراكه في الحديث وإلى إشاعة تمدد
الطاولة التي يقعدون بها إلى باقي فضاءات المقهى ، خالقين موسما لغويا عنوانه (الحديث
للجميع، ولا عزاء للصامتين.....) مفعلين بكل جدية مضامين كتاب القصيمي (العرب ظاهرة صوتية)
فهذا اشترى فريقه ميسي ، والاخر فاز فريقه
على كريستيانو رونالدو ، والاخر يقول حسب تصريحه نحن هذه السنة سنأخذ البطولة
الإنجليزية للإشارة المتحدث اسمه سمير
الماجيدي مزداد بدوار التقلية جماعة حد لهيه إقليم الشينوا المغرب، لكن مع ذلك القالب مغربي والقلب انجليزي
والعقلية منفتحة على العالم ، عالم لم يعد قرية صغيرة، بل القرية صارت عالما
صغيراً
طبعا هذا الأمر يزعجك عزيزي (المثقف)
لا تسأم ولا تمتعض
فالمقهى
عند عامة الناس ليست سوئ فضاء للغو ، فضاء للتنفيس الكلامي ، أو تفعيل الظـــاهرة
الصوتـــية ، هي فضاء للهروب من وعورة الحياة ومن نكدها ،من مشاكلــــــــها ومتطلــــــباتــــها،
من البيت ونكـــده ، من المرأة وصداعــــها ، وتحية خاصة للمرأة التي تســـــاهم
في الرفع من مداخيل المقاهي ، تحياتـــــي لكن واصلن ....
هي فضاء للفرار والحوار ، لكن ليسا حوارا
أفقا للفكر( كتاب طه عبد الرحمن) أو حوارٌ وإلا خراب الديار( كتاب محمد جلال كشك)
، حوار ليست غايته محاربة الغباء وإنما حوار غايته محاربة الغلاء ، يقاومه ، على الاقل يمتعض منه ، يسبه ،
ينهال عليه بوابل الكلام المفخخ بالسباب ، على الأقل ، وهذا أضعف الإيمان ، فإن لم
يستطع فبلسانه ، حيلته وأقوى وأغلى ما يملك ، ففي البدء كانت الكلمة ، وفي الأخير
ستكــــون الكـــــلمـــــــــــة.
يا عزيزي المثقف لا تقلق إن وجدت الناس في
المقهى لا يناقشون نقاشاتك ولا يهتمون بهمومك، لا يناقشون نظرية هابرماس التواصلية
أو نظرية آينشتاين النسبية ، ولا تحتقرهم ، فهم كذلك يناقشون النظريات ، بل أم
النظريات عندنا ، نظرية المؤامرة ، هل تعلم أن صدام حسين مازال حيا عند أصحاب
المقهى ، وأن اليهود رموا مساحيق ومبيدات سامة في المياه ، فلا تشربها ، حذاري ،
هذا ما قاله عزيز بونيف الذي يجلس بمقهى شوفوني بحينا......
فما دمنا لم نخلق مجتمعا للمعرفة ، فالمقهى
ليست لك ولأمثالك ، وليست للفارين من أمثالك ، إذهبوا إلى المكتبات ، عيشوا مع
الكتاب ، واتركوا الناس في المقاهي مع )المكتاب ( ، مع القدر الذي يلاحقهم.....
اذهبوا وحاربوا الغباء، و اتركونا نحن مع
الغلاء .
المقاهي لنا لا لكم
خذوا المكاتب والمكتبات وخلو لنا
الكراسي..... كراسي المقاهي طبعا لا تذهب بعيدا
عبد الكريم حنين (من الفارين إلى المقهى)
إطار الدعم التربوي / الأكاديمية الجهوية
لمهن التربية والتكوين
حاصل على ماستر في العلوم السياسية والتواصل
السياسي
.jpg)

