الخميس، 18 مايو 2023

الحسن اللحية: من العمل إلى الشغل - ميلاد الكفاية -


 

من العمل إلى الشغل

- ميلاد الكفاية -

 

 

 

1- ملاحظات وأسئلة

هناك أكثر من سؤال يطرح لقارئ الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1)، ولعل من أهم تلك الأسئلة أو من بين ما يطرحه القارئ والدارس للميثاق نجد مايلي: لماذا هجرت مفاهيم اقتصادية إلى الميثاق وغزت مصطلحات من مجالات التدبير المقاولاتي والاقتصادي لغته مثل: المهنة والتمهين والجودة والتقويم والتنافسية وتكافؤ الفرص والشغل والمهارة التقنية والمهنية والتأهيل المهني والتكوين المهني وسوق الشغل والعامل والعاملة، وغيرها من المفاهيم الأخرى ذات الصلة بهذه المجالات ؟، بل تتعمق أسئلة الباحث والدارس أكثر حينما سيجد أن هذه المفاهيم والاصطلاحات ترتبط ارتباطا جوهريا وأساسيا ومركزيا بمفهوم ذائع الصيت اليوم هو مفهوم الكفاية الذي تسلل إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين ليشكل الخلفية الأساس والأرضية الفلسفية والإيديولوجية للنظام التربوي والتعليمي والتكويني للميثاق الوطني دونما أن يعلن على هذا التبني الواضح لهذه الفلسفات والإيديولوجيات لعوائق شتى ترتبط بالثقافة والتاريخ و وهم الخصوصية وثقل الماضي. قلنا تسلل هذا المفهوم في غفلة من الباحثين المهتمين بقضايا التربية والتكوين والبيداغوجيا(2)، و خلسة من المشاركين في أشغاله، ونقصد بكلامنا هذا مضامين الزيارات التي احتوت على تقارير مغايرة لنظامنا التربوي التعليمي ومداخلات الوزراء وشبكات الخبراء(3)؟.

لا نجادل في أهمية التبني الرسمي لبيداغوجيا تعين نفسها باسم رسميا؛ إذ من حسنات هذا الإقرار الرسمي ببيداغوجيا الكفايات الاعتراف بوجود مجاز بيداغوجي ساد المغرب منذ الاستقلال إلى 1999، بل إن أهمية هذا الحدث التاريخي يتمثل في الدعوة لتقييم أداء ومردودية النظام التعليمي المغربي، وتحديدا بيداغوجيا الأهداف التي خلقت حولها مراكز نفوذ و مجموعات ضغط و مراكز استفادة رغم أنها لم تكن بيداغوجية رسمية كما يبدو ذلك من خلال وثيقة إصلاح النظام التعليمي الصادرة في شتنبر1985(4). ونعتقد من جهتنا أن الدعوة لتقييم هذه البيداغوجية مازالت ملحة لأن ما سقطنا فيه آنذاك لا يختلف عمن ظن أنه اكتشف الطريق إلى الحرير. ولكي لا نسقط مرة أخرى في التصورات التقنية نرى لزاما، في إطار هذه الدعوة، الإجابة على الأسئلة التالية: ما الأرضية الفلسفية لبيداغوجيا الأهداف؟ وأي نموذج للإنسان ساهمت في تكوينه؟ ولماذا حصل آنذاك أن تخلت الدولة عن الجانب البيداغوجي لسلطة أفراد وجهات؟ و ما مدلول استدراك الدولة لهذا الجانب في الميثاق الوطني للتربية والتكوين اليوم؟ ...إن الإجابات غير متعسرة ولا مستعصية لوجود ما يكفي من تراكم العاطلين بالشواهد ولعزلة المدرسة عن محيطها العام والخاص وتخلفها عن التطورات الحاصلة في المحيط، و لارتباطها المباشر أو غير المباشر  بصناعة الإرهاب(معدل سن الإرهابيين في أحداث 16 مايو يظل دالا ومعبرا).

وفي مقابل ذلك يجدر بنا أن نتساءل ما إذا كان الإصلاح الحالي (أقصد هنا الميثاق الوطني) الذي ورط الجميع ودعا إلى توريط الجميع: السياسي والنقابي والباحث و الأب والمقاول ورجل الأعمال والمسؤول الإداري والمدرس والتلميذ قادر على جعل المدرسة طليعة المجتمع، أي منبع التنوير والعلم والمعرفة، مؤثرة في المحيط بصناعتها لنخب وطنية متشبعة بروح هذا العصر مادام التكوين والتعليم يهم المستقبل لا الماضي وقادرة على المساهمة في تنمية البلاد ...؟

ترتسم هذه الصورة الخلاقة للمستقبل مع ورود الكفاية التي رددت عشرات المرات في نص الميثاق، حيث المدرسة ستخلق جسورا لا نهائية مع المحيط و ستضطلع بمهمة تحويل الرعية إلى مواطنين. والحال أن الاستدراك بالسؤال الآن واجب فكري مادمنا نسير بسرعة سلحفاة زينون الإيلي. ومن بين الأسئلة المطروحة استعجالا: ما هي الأسس الفكرية والنظرية والإيديولوجية للمقاربات بالكفايات؟ وهل انتقلنا من إنتاج ربوهات لا تفكر إلا بالأمر إلى إنتاج أدوات للإنتاج عليها أن تتكيف وتتلاءم مع سوق الشغل رغم غيابه في حالتنا الراهنة، إنتاج أفراد يحملون علامات الجودة كالبضائع، وإنتاج مخلوقات فردية ومتفردة تقوم بمهام مطلوبة وتحت الطلب، مسؤولة عن فشلها الذاتي إذا لم يتوفر لها الشغل ؟ وببيان العبارة هل سنسلم المدرسة للمقاولة، كما سبق ونبهنا إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي الراحل جيل دولوز، فتعدو بذلك المدرسة مدرسة المقاولة(5)؟....

2- ظهور العمل ومفهومه

إنني من خلال الأسئلة المطروحة أعلاه أطرح ماهية الإنسان بالذات للنقاش. ولكي أبين المنطلقات الفلسفية التي أرومها هنا سأعود إلى الوراء، والمدة لا تتجاوز القرنين ونصف القرن، مسترشدا بأركيولوجيا م.فوكو وتحديدا بأطروحة كتاب "الكلمات والأشياء" الذي بين العلاقة الوثيقة بين ميلاد الإنسان والعلوم الإنسانية (ونحن نتبنى هنا التسمية القائلة بالعلوم الاجتماعية تفاديا للبس الذي ورثناه عن التقليد الفرنسي).

إن المعادلة الصعبة التي مازالت ترمي بظلالها علينا إلى حد الآن تتمثل في كون ميلاد الإنسان تزامن وظهور الاقتصاد واللغة والبيولوجيا، وهو ما يعني أن هذه الحقول المعرفية هيأت الأساس القبلي للتساؤل عن ماهيته؛ فالإنسان يبدو في البيولوجياكائنا حيا يحيى بحياة مشروطة بشروطها الخاصة التي تقهره وتجعل حياته غريبة عنه، وفي اللغة يتحدث لغة وجدت قبله تمارس عليه ثقلها وهو يحاول أن يضمنها فكره الخاص، وفي الاقتصاد يبدو كائنا صاحب حاجات تدفعه للعمل وهو ذاته أداة ووسيلة إنتاج تخضع لشروط العمل ومنطقه.

من الواضح، ونحن نناقش هنا جانبا محددا من هذه الأطروحة، أن مفهوم العمل حديث الميلاد (6) رغم أن الناس كانوا فيما سبق من الأزمنة يعملون إلا أن العمل الذي كانوا يقومون به يدخل في الخدمة الشبيه بعمل الأقنان والعبيد. فالعمل الحديث الظهور بالنسبة إلينا خلق سوقا يتداول فيه العمل كباقي السلع والبضائع، بمعنى أن العمل أصبح موضوع مبادلة له ثمن يتناسب وكمية عدد ساعات العمل ونوعية العمل، وبالإجمال أصبح العمل خاضعا لتماثل بين العرض والطلب.

ثم لا ينبغي أن نغفل بأن العمل كما دافعت عنه الأزمنة الحديثة مصدر قيمة ومصدر ملكية، ومن خلاله يشارك الفرد في المجتمع، وهو عند جون لوك أساس الحيازة والتملك ومصدر قيمة الأشياء؛ أي أن الأشياء تصبح لها قيمة مختلفة حينما تطبع ببصمة العمل كمثل الهواء المطهر(7).

نخلص مما تقدم أن الرأسمالية الحديثة هي التي كانت وراء ظهور التصور الحديث للعمل(8). ولكي نوضح هذه الخلاصة الأولية سنتتبع تصورات مفكري الاقتصاد الكبار أمثال آدم سميت و ريكاردو وكارل ماركس مستندين في ذلك على أطروحة م.فوكو المذكورة سالفا.

إن آدم سميت هو المفكر الاقتصادي الأول الذي أدخل مفهوم العمل في التفكير الاقتصادي متخليا عن التحاليل المتعلقة بالنقد والتجارة والمبادلة. وأما العمل بالنسبة إليه فهو مقياس أي سلعة أو بضاعة كيفما كانت. وها هنا تطرح أسئلة كثيرة وعميقة، منها: كيف يكون العمل مقياسا ثابتا وهو ذاته له سعر وسعره يتغير؟ وكيف يمكن أن يكون وحدة وهو يتغير تبعا لتطور المصانع وتحوله إلى نشاط منتج عن طريق تقسيمه؟ لاشك أن الحاجة هي أصل العمل ولأن الناس لهم حاجات يبدون كما لوكانوا يتبادلون حاجاتهم عن طريق العمل وكلما أشبعوها حدوا من العمل؛ وبذلك تبدو الحاجة، في نظر آدم سميت، كمحرك الاقتصاد الدائري والعمل نتيجتها. كما لا بد من الإشارة إلى أن آدام سميت هو أول من أدخل الزمن والجهد المبذول في إنتاج البضاعة، أي أن ثمن البضاعة أصبح يقاس بزمن اقتصادي له سيرورته الخاصة هو زمن الرأسمال ونظام الإنتاج.

وأما ريكاردو فقد لا حظ أن البضاعة تمثل عملا معينا وهو محايث وسابق عليها وهو سبب وجودها، لكنه يتغير بتغير البضاعة وهو ما لا يجعله صالحا ليكون مقياس قيمتها. فالعمل نشاط منتج لأنه مصدر كل قيمة. وهكذا تبدو القيمة ذاتها منتوجة والإنتاج يتغير بتغير تقسيم العمل وأدواته و الأموال الموظفة فيه وذلك ما يجعل القيمة محددة بشروط إنتاجها.في حين ركز كارل ماركس على تراكم رؤوس الأموال وتوسع المصانع اللذين يجعلان العامل في فقر متزايد، ويجعلانه بضاعة بالقدر الذي ينتج فيه البضائع مما يرمي به ليصير منحط القيمة رغم أنه يعطي قيمة للأشياء، والنتيجة هي انفلات الأجر و البضاعة والقيمة منه. وكلما ارتفع فائض القيمة تقلص سوق العمل. وهكذا يبدو أن ما كان ينتجه العامل يصبح غريبا عنه له سلطة مستقلة تواجهه وجها لوجه لأن الحياة التي منحها للشئ- البضاعة تتعارض مع حياته: إنه الاستلاب(9).

لهذه الدواعي ارتبط تصور العمل في القرن 19و جزء كبير من القرن العشرين بالحرية الاجتماعية وظهور النزعة الإنسانية لأن هناك يوتوبيا تتعلق بنهاية الزمن.كما ارتبط كذلك بجماهير العمال فبدا أن انعدام الاستلاب يعني إقامة ماهية للإنسان تقوم على التحرر من العمل وتحريره، أي أن العمل صار أداة للتحرر الفردي والجماعي (10)؛ بمعنى أن العمل أصل الاستقلالية و بدونه لا وجود إلا للتبعية والدونية والهامشية.

ما ينبغي أن نؤكد عليه هنا بقوة وإلحاح هي أن التصورات الثاوية للعمل عند كل من آدم سميت و ريكاردو وكارل ماركس ارتبطت بالقوة الجسمانية للعامل، وبالتالي كانت المردودية والإنتاجية تنبني على المجهود العضلي ولتوضيح ذلك نجد ماركس مثلا كان يقسم العمل تقسيما عاما إلى فلاحة ونقل وصناعة، ثم إلى تقسيم خاص داخل كل مجال، وفي حالة الصناعة، مثلا، نعثر على البناء والميكانيكا و الكيمياء، ثم في الأخير يقيم تقسيما تفصيليا داخل كل ورش على حدة، وذلك ما كان يطلق عليه المانيفاكتورا التي تهتم بمختلف جهاز الإنتاج(11).

إن الاقتصار على جانب القوة العضلية يعني الجمع بين العمل الذهني والفكري وانعدام التمييز بينهما، بالإضافة إلى إقصاء أي تفكير تكنولوجي أو تقني، بل إقصاء التكنولوجيا بالذات واعتبارها محايدة لا تأثير لها في العمل ولا تستطيع أن تغير شيئا في الحياة والثقافة والرؤية. ومن هنا يبرز لنا التصور الماقبل تكنولوجي الذي يظن أن العامل هو هو، واحدا حيثما واحدا وأينما كان، العامل الذي ليست له سوى قوته البدنية. وهذا مدخل آخر لقراءة المنزع الإيديولوجي لكارل ماركس القابع تحت رحمة الفكر الكلاسيكي.

3- من العمل إلى الشغل

ربما نكون الآن استبقنا التحليل بقوة الحدس والواقع لنقول بأن هذا التصور القائم على القوة الجسمانية للعامل لم يعد هو التصور الحالي، أو بمعنى آخر أن العمل القائم على القوة العضلية الطبيعية دخل أزمة عميقة، وبالتالي اكتشف العامل أن تحرره بالعمل وتحريره للعمل لم يكن سوى وهم خالص لأن مجهوده العضلي لم تعد له تلك المكانة التي انبنت عليها التصورات الاقتصادية الكلاسيكية، وأن الآلة التي كانت محايدة بدأت تزيحه شيئا فشيئا ليبدو مهزوما أمامها بالتدريج، مرغما على استدماجها في ثقاقة العمل، وأن العمل أضحى قائما على الفصل التام بين العمل الذهني والعضلي، وأن الإنتاج عامة أصبح تقنيا – تكنولوجيا وذهنيا أكثر فأكثر وآليا- أوتوماتيكيا.

كما لا تفوتنا الإشارة إلى أن العمل يكسب الإنسان هوية وانتماء لجماعة معينة تكاد تحدد هويته إلا أنه بدخول العمل الأزمة التي أشرنا إلى بعض خاصياتها يكون الإنسان ذاته يعيش أزمات كثيرة ومن الإحالات الدالة عليها نجد مايلي:

أولا: إن اختفاء التحاليل المستندة إلى مفاهيم كالطبقة العاملة والبورجوازية والرأسمال ورب العمل والصراع الطبقي يدعونا لفهم ما يحدث في عالم العمل لأن الحديث يدور اليوم حول الشغل وفرص الشغل والمهام والعمليات والوظائف والأدوار والمواقع لنعني بشكل خاص ممارسة نشاط يسمى العمل(12).

ثانيا: إن التحولات التي أصابت مفهوم العمل اليوم، وذلك منذ بداية القرن العشرين، ترتبط بالأشكال الجديدة لتقسيم العمل والتطورات التكنولوجية وتنظيم العمل. فعلى مستوى تنظيم العمل يخيل للباحث كما لو كان العمل أو الشغل هو مدار رهانات القرن العشرين، مدار رهانات معرفية و اجتماعية وفردية لأننا نجد حقولا معرفية مرتبطة به مثل السسيولوجيا(سسيولوجيا الشغل وسسيولوجيا التنظيمات)، ثم علم النفس الشغل وقانون الشغل والاقتصاد العام و الاقتصاد السياسي، هذا فضلا عن النماذج التدبيرية التي لا تخلو من استدماج تخصصات معرفية كثيرة ومتعددة كالتواصل وبعض فروع علم النفس والاجتماع والاقتصاد والقانون .

والملاحظ أن هذه النماذج التدبيرية المقاولاتية التي فرضت تصوراتها للشغل غزت مجالات غير مجال الشغل ومنها مجالات التربية والتكوين. ومن بين هذه النماذج نجد، على سبيل المثال، الفوردية والفايولزمية والتايلورية والطيوتية والتدبير بالأهداف وعلوم التدبير التي ظهرت في سنة 1920 مع شركة جنرال موتورس والمقاولة النسق في سنة1950 والأرغونومي(13)...

ما ينبغي أن نشير إليه في عجالة أن هذه التنظيمات المقاولاتية تختلف جذريا عن الورش الذي فكر فيه كارل ماركس ولعل أهم وأبرز مكامن الاختلاف والقطائع تتمثل في الفصل التام بين العمل الذهني وغير الذهني، وهو ما أثر تأثيرا قويا على تقسيم العمل ومفهوم العمل و العامل، لأن التقسيم الجديد للعمل يفترض المهمة ومنصب الشغل، وفي الآن نفسه تناسبا ما بين الإنسان والآلة، حيث أضحى المهندس والتقني كالرأسماليين أصحاب ملكية أفكار وتصورات وقدرة على الإنتاج والإبداع، يتصرفون كالرؤساء الفعليين للمقاولات(14).

وأما الجانب التكنولوجي والإعلامي والسبرنطيقي(15) فإنه يكاد يكون الجانب الأساس في التحولات التي عرفها العمل لأنه زحزح الأسس الكلاسيكية التي نذكر منها الجوانب التالية:

1- لا شك أن التحولات المتسارعة التي عرفها القرن XX أثرت في مختلف أشكال الإنتاج، حيث بدا واضحا للعيان تقليص اللقاء المباشر بين الإنسان والمادة وتزايد مهام المراقبة متبوعة بتثبيت معلوماتي وتدبير إعلامي وتنبؤ بالتعطل(16). إننا أمام ظاهرة جديدة لم يعهدها القرنان 18و19 هي الإنتاج الأوتوماتكي الذي يقوم على الآلة وتجميع المتخصصين، بل إن لغة التواصل ذاتها عرفت تحولات جذرية من لغة طبيعية وواصفة ولغة ميكانيكية إلى لغة مشفرة مرمزة متحكم فيها وهي تتحكم في سيرورة الإنتاج كله، تتباين وتختلف حسب شعب الإنتاج من تصنيع و نقل و تسيير ومراقبة وخزن و تحويل، لغة تبدو للناظر من أول وهلة كلغة السحرة (17) تطارد اللصوص والغرباء والأميين.

2- إذا ما أخذنا بالمعطى التكنولوجي والإعلامي المشار إليهما سابقا سنفهم لماذا صار العمل موحدا في الرؤية والتصور والإنتاج. وإذا ما أخذنا بالنماذج التدبيرية سنفهم كذلك ما يعنيه الاستهلاك والبنية التدبيرية والهيكلية للمقاولات اليوم(18)، بل وقد نعثر على مدخل لفهم الأزمات الداخلية والجوانية التي تصيب العائلة و المعمل والمدرسة والنقابة والحزب والدولة، وهي كلها دواخل، كما يقول جيل دولوز، تعيش أزمات الشغل، وبالتالي التخطيط والتنمية المستديمة وسبلها. فعلى مستوى العمل كان تقسيم العمل في القرنين 18و19 يقوم على العمل واللاعمل(19).وأما في أيامنا هذه فإننا نعيش في مجتمع عمل بدون عمل، والأسباب في ذلك كثيرة منها وجود جيش من العاطلين والاحتياطيين وهو ما ينبئ بانعدام العمل المكتمل، أي أن البطالة أصبحت معممة في القرن العشرين تطال صاحب الشهادة والموسيقي وغير المتمدرس... ثم إن العمل القار صار امتيازا لا تحصل عليه إلا قلة من الناس، وهي قلة مهددة بأنظمة الاستهلاك المعممة ومبدأ الليونة في التشغيل وبالديون.وأخيرا سيادة مبدأ تقليص ساعات العمل(20).

والجانب الثاني الذي تجب الإشارة إليه هو وحدة أنماط الاستهلاك وتوحيده عالميا. وكان من دواعي هذا التعميم العالمي للسوق أن أصبح الرأسمال يدور في مدارات افتراضية: أسهم، مؤشرات البورصات لا علاقة لها بإنتاج الثروة الوطنية وتلبية مطالب الشغل. ثم إن قوة العمل المؤهلة أصبحت تجوب العالم كله وهي في خدمة الشركات الكبرى لخلق مستهلك جديد دون إعطاء قيمة للقرارات المحلية والوطنية.

ولا شك أن هذه التحولات سترمي بظلالها على المدرسة والتكوين والتشغيل، بل إنه في عالم يتغير بسرعة كبيرة ستبرز الحاجة إلى التلاؤم بين التكوين والتشغيل(21)، وذلك هو الميلاد الفعلي للكفاية. ولإبراز هذا الظهور غير المفاجئ و لا المعجز سننطلق في تحليلنا هذا من توضيح العناصر التالية:

أولا: بناء على الخلاصة التي ذكرناها آنفا نلاحظ أن التعليم مؤسس على برامج قارة غير متكيفة مع المحيط العام، وهو ما يعني أن المدرسة لم تعد سيدة اللعبة لوجود نقص في التكوين و عدم مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية وطغيان النزعات الأكاديمية(22) وتوارت النزعات التقليدانية والسلفية التي تجتر الماضي وترى من خلاله الحاضر والمستقبل. ولهذا السبب بدا الاهتمام بإصلاح الأنظمة التربوية وتبني مسالك التمهين.

ثانيا: إن هذا التحول العميق الذي سبق وتحدثنا عنه الحاصل في الإنتاج الجديد دعا إلى طرح مسألة التكوين والتأهيل المستمر، وإلى تعدد رهانات التعليم من منظور النفعية. ولذلك أصبحت الأنظمة التكوينية تلعب دورا كبيرا في سياسة التعديل الاجتماعي (23)؛ ومعنى ذلك أن تعليم الكبار وتكوين العاملين أضحى يكتسي طابعا سياسيا لا طابعا تقنيا. وللتدليل على ذلك نجد اليوم البحث الذؤوب عن أشكال جديدة ومبتكرة ومصطنعة لإثبات الصلاحيات و تنمية ومضاعفة مسالك التكوين إما عن طريق الحوارات الدائرة حول التكوين الأولي والتكوين المستمر(24) أو عن طريق سن سياسات عامة بالتفاوض للنظر في مصير الشواهد والدبلومات(25).وعليه أصبح مبدأ الكفاية مؤثرا وبقوة كبيرة في توجيه السياسات الوطنية التربوية والتكوينية للملاءمة بين التكوين والتعليم و السوق وسوق الشغل (26)، علما أن التكوين بوجه عام أصبح خاضعا وتابعا في المقاربة التدبيرية لسوق الشغل وبذلك دخل الزمن المدرسي  أزمة المقاولة.

ثالثا: نلاحظ أن الكفاية تتوافق و مبدأ الليونة في التشغيل، وهو مايعني أن منصب الشغل أضحى فرصة غير متاحة للجميع من منظور قانوني و من منظور متطلبات سوق الشغل ومطالب المقاولة. فالمقاربة هنا هي أن المنصب يرتبط بالمهمة أو الوظيفة أو الدور المحدود في الزمان والمكان. والمهام والأدوار تتطور وتتغير وفق معطيات عديدة والمنطق يقتضي القضاء التام على الشغل القار من أجل استمرار المقاولة. ولذلك ظهرت الكفاية في الاتفاقات بين المقاولات وشبكات التصنيف، وأصبحت جزء من الخطاب الباترونالي ومجالا لحوار اجتماعي وسياسي لأن إثبات صلاحية ما يعني إعطاء قيمة اقتصادية واعتراف اجتماعي للشهادة أو الدبلوم أو التكوين(27)، أي الاعتراف بالفرد الحاصل عليها. وهكذا تبدو الكفاية خاصية تعين الفرد في فرديته المطلقة، حيث الأجير يتنافس مع الأجير الآخر (28) في غياب وحدة الشعور والهوية المهنية، وذلك ما يقودنا نحو مصير يمحو الانتماءات المهنية و سيطرة منطق المقاولة والسوق على القيم الفردية والجماعية والثقافية. و على وجه الإجمال فإن البقاء سيكون لمن يستطيع الاستجابة لهذين المنطقين: منطق المقاولة ومنطق السوق وهنا وجب التساؤل عن مصير الإنسان والمعرفة كمعرفة و مصير سياسات التضامن والحقوق الاجتماعية والفردية والسمات المميزة والمعينة للمواطنة، أي ما معنى أن نكون مواطنين في أزمنة تحدد المعاني في السوق ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هوامش

 

1- الميثاق الوطني للتربية والتكوين الطبعة التي أصدرتها اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين.يناير2000 المملكة المغربية.

2- نقصد هنا الكتابات التي تناولت موضوع الكفايات تأليفا وترجمة عند الباحثين المغاربةوالتي أتت كلها بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

3- لاحظنا أن غياب الكفاية على مستوى البيداغوجي كان جليا سواء لدى الخبراء (شبكة الخبراء) [المجلد الثاني باللغة الفرنسية.غشت 2000 الوثيقة 8/9] أو في مساهمات الخبراء في تشخيص وطرق إصلاح نظام التربية والتكوين [المجلد الثالث .غشت 2000 الوثيقة 8/9 ].

كما أن الكفاية لم ترد في التقارير الاستطلاعية لبعض أنظمة التربية والتكوين بالخارج [المجلد7/9، غشت 2000 ] التي شملت الأردن وفلسطين، سوريا ولبنان، الشيلي ،المكسيك والسالفادور، ألمانيا وهولندا، كندا، إيطاليا وهنغاريا، إسبانيا والبرتغال، النرويج وفلندا.

وغاب أي تصور أو ذكر للكفاية في الاستماعات للوزراء المكلفين بقطاعات التربية والتكوين [المجلد 3/1/9، غشت2000 ].

4- وثيقة لإصلاح النظام التعليمي شتنبر1985.

5- الحسن اللحية، مدرسة المقاولة، جريدة الأخبار المغربية العدد 20-فبراير2004 الرباط.

6- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

7- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.p.104-105.

8- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

9- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.p. 106.

10- Karl Marx, Extraits des Manuscrits de1844.ed.sociales, p.404-406

11- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.ibid.

12- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.

13- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.p.2

في سنة 1920 عرف النوذج الفايوليزمي وهو من ابتكار المهندس الفرنسي هنري فايول الذي يركز على حضور السلطة القائدة.وهنالك كذلك الطويوتية والتيلورية والفوردية التي ظهرت في 1913 على يد هنري فورد وتقوم على فكرة إدماج العمال في الأرباح. أما التايلورية التي تعود لفريدريك تايلور فتتأسس على عقلنة الإنتاج والتمييز بين التصور الذهني والتنفيذ العملي وتنفيذ المهام: المهندس/العامل. من أهدافها تعزيز مراقبة سيرورة المراقبة والتمييز بين الذهني واليدوي و استدماج النقابة في المقاولة وخلق نظام أخري اختلافي والتحكم في الوظائف وتقسيم الوقت إلى وحدات وانتقاء العمال ودراسة الأزمنة المستغرقة في الإنتاج لاكتشاف التأخرات.وفي بداية الأربعينات من القرن 20 انبنت علوم التدبير في أمريكا على أربعة مبادئ هي 1)- تحديد المهام وتخصيصها 2)- وحدة القيادة 3)- الحد من السلط العليا في السلم التراتبي 4)- التنظيم وفق أهداف.

 في حين يركز التدبير بالأهداف على تحديد الهدف والأهداف المجاورة والأهداف العامة للمقاولة. أما التدبير الذي ظهر في 1920 بشركة جنرال موطورس فيقوم على البنيات غير المتمركزة والليونة في حل المشاكل والملاءمة بين الوسائل والحاجيات والتنسيق على مستوى القيادة والمراقبة التدبيرية المصححة والأخذ برأي المسؤولين المباشرين والعمل بلوحة القيادة.

وقد ظهرت المقاولة النسق في 1950 مصحوبة بالثورة الإعلامية والسبيرنطيقية و المعالجة الأوتوماتيكية للمعلومات.في حين يهتم الأرغونومي بالتفاعل الحاصل بين الإنسان من جهة وأدواته ومحيط عمله. ويقوم على فكرة النسق لأنه يهتم بوظائفية جميع العناصر مثل شروط العمل ودراسة الأنشطة ومشاكل الملل وأشكال تنفيذ المهام والتنظيم الجماعي...

14- Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

15- يقول مارتن هايدجر:" إن الإنسان في غنى على أن يكون نبيا حتى يعرف أن العلوم الحديثة في استعمالها من قبله تضع له حدودا تعيقه وتقيده بعملها الأساس الذي هو علم التوجيه (السبيرنطيقا)" Question IV.Gallimard, Paris 1967.

راجع كذلك ن.ويرنرN.Wierner. السبيرنطيقا والمجتمع باريس 10/18 .1962.

16- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.

17- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.

18- Claudio Nascimento, Mutations au sein du travail et du syndicalisme. Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

19- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

20- Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

21- Paul timmermans, L'approche par compétences un outil de regulations. In Compétences en action.éd. Laisons .Paris 2000.

22- Paul timmermans, L'approche par compétences un outil de regulations. In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.

23- Jean Pierre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.229.

24- Jean Pierre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.230.

25- Pierre giorgini, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.43.

26-  Jean Piérre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.224.

27- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.177-179.

28- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.181.

 


الثلاثاء، 16 مايو 2023

النقابات: التشبث بقانون الوظيفة العمومية... المتعاقدون

الوزارة و منصب الأستاذ الباحث

هاد الجزائر خاصها تحيد من الخارطة

الحسن اللحية: مطلب الإبداعية في التدريس

 




تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة؛ فلاح يغذيها و جندي يحميها و معلم يربيها

عن جبران خليل جبران

يتكفل الآباء بعيش أبنائهم، و يؤمن المعلمون العيش الكريم للجميع

عن أرسطو طاليس

 

 

 

 

ميز فليب ميريو انطلاقا من الطريقة التي يدرك من خلالها التفريق بين التلاميذ بين تصورين نظريين كبيرين في البيداغوجيا الفارقية، حيث نجد التشخيص القبلي أو التدبير التكنوقراطي للفوارق من جانب أول والإبداعية المنظمة أو القصدية القائمة على الإبداع والضبط من جانب آخر.

و يرى فليب ميريو أن التشخيص القبلي يقود إلى انحسار بيداغوجي سواء تعلق الأمر بعقلنة الوضعية التعلمية بغاية بلوغ تبولوجيا للعمليات الذهنية التي يمكن معالجتها أو الأخذ بعين الاعتبار جميع الفروق (الرمزية والعاطفية والاجتماعية) في استثمار بلا حدود.

 يتجلى الانحسار في كون أنه لا علاج بيداغوجي يمكن استخلاصه ميكانيكيا  من خصائص الموضوعات التي ليست في واقع الحال سوى موشيرات للموثوقية بالمقارنة مع المقترحات الديداكتيكية التي نتخيلها هناك دوما.

ويخلص ميريو في الأخير إلى أن التدبير التقنوقراطي للفروق يساهم في سلبية مكانة الذات في تربيتها الخاصة. فهو يخلط بين تكوين الأشخاص وصناعة الأشياء.

فالإبداعية المنتظمة لا تتوقف عند بيداغوجيا الأسباب، بل تتوخى الشروط.، كما أنها تتقبل الواقعية التي لا رجعة فيها القائلة بأنه ليس لدي سلطة مباشرة على وعي الآخر ولا يمكنني في جميع الحالات الاشتغال على تعلماته بشكل ميكانيكي.

 إن الإبداعية في الممارسة البيداغوجية تعطي الحق للمدرس في الفعل ورد الفعل وسن طرق ووضعيات وعدد و تقنيات وأدوات بيداغوجية لتسمح للتلاميذ باختلافهم بالتعلم.

تجهتد هذه البيداغوجيا لتفكر في الشروط نفسها لخلق فضاءات وتوفير أدوات وإغناء المحيط والسماح بالتعبير؛ فهي مهتمة بجعل القسم مكانا للأمن بدون ضغط تقويمي دائم، ودون سخرية أو تهكم في حالة الارتباك أو الفشل. كما أنها تشجع على الرؤية الإيجابية وغير المتوقع وتنمية خيال التلميذ حتى يستطيع كل تلميذ في فارقيته إيجاد ما يسمح له بالتعلم. كما تعمل على إبداع وسائل جديدة بلا توقف.

والحاصل أن رهان البيداغوجيا الفارقية يرتبط بنموذج المجتمع المتطلع إليه فقط ، بل يرتبط بالتلميذ أساسا.

هناك نموذج آخر هو النموذج التقنوقراطي الذي يضع كل فرد في مكان قار، نموذج ينهل من العلم حول الفوارق بين الأفراد حتى يستطيع التخطيط أوالاستبعاد و التصنيف و القولبة و الضبط و التحكم ...إلخ.

 نجد في المدرسة هذه المحاولة التوتاليتارية التي تدفع بمنطق العقلنة والتحكم إلى أقصى الأقصى مما يجعل هذا المنطق المتطرف يفضي إلى مدرسة حيث العلماء يعرفون مسبقا "شخصية" تلاميذهم- المرضى، وبالتالي يمكنهم وصف العلاجات وبرمجتها للوصول إلى المعارف التي حددوها. فمثل هذا النظام يتوخى، باسم الخير العام، تحديد، بالنسبة لكل فرد، مستوى العمليات الذهنية الفعلية والمكتسبات السابقة البنيوية والوظيفية، ونوع العلاقة مع المعرفة والتوجه الليبدي والاندفاعي، والاستراتيجيات التعلمية لكل فرد في المجال المعرفي والعاطفي والحسحركي ومستوى الانتباه وإيقاع التحصيل ودرجة المرونة الابستيمولوجية ونسبة الاندماج في المجتمع.

هناك من جانب آخر إيديولوجيا علمية كاملة تنطلق من النزعة البيولوجية مدافعة عن وهم أو يوتوبيا المساواة، معتبرة أنه على التربية أن تنطلق من المعطيات البيولوجية للوصول إلى غائية ساذجة. وإنه لمن الخطورة بما كان أن نضع المدرسة في مهب الإيديولوجيا البيولوجية بحتميتها الصارمة التي تعتبر الإنسان حيوانا كباقي الحيوانات

فأمام هذا السيناريو الكارثي – الذي ليس فعليا خالصا- ولحسن الحظ فإن الذات الإنسانية تقاوم دائما، هناك من يرى بأن الغاية القصوى للبيداغوجيا الفارقية هي تحرير الفرد باعتباره كائنا حرا ومستقلا يتمثل مشروعه السوسيوسياسي في مجيء مجتمع متعدد، حيث يجد كل فرد في أي لحظة جميع الفرص للتفتح الأخلاقي والاجتماعي.

وحاصل ذلك أن هذه البيداغوجيا ترتكز على الفرد، على فرادة الفرد، على نوعيته في اختلافه حتى تمنحه كل إمكانات التفتح. وإذا ما استحضرنا تصور جون بيير أستولفي فإن مشروعا مثل هذا المشروع يكون وفيا لروح المعبئين للفارقية البيداغوجة حيث يظل الرهان بالنسبة إليها مرتبطا بدمقرطة التعليم. إنه الإجهاد من أجل تشغيل ساكنة من التلاميذ غير متجانسة أكثر فأكثر داخل نفس الأقسام تجتمع أكبر مدة زمنية ممكنة. ولبلوغ ذلك وجب اقتراح، بالنسبة للجميع، تنويعا في الأنشطة والعدد المؤسساتية لبلوغ الأهداف المرسومة. فدمقرطة النجاح المدرسي تناقض التوحيد المقارن الذي يصنف التلاميذ فيما بينهم ويترجم الفوارق باللامساواة.


الأربعاء، 10 مايو 2023

الحسن اللحية : في مساءلة ممارستنا الصفية


 

 

في مساءلة ممارستنا الصفية

الحسن اللحية

 

الباحث الذي لا معركة فكرية له يعيش كالظل

 

 

طرحنا في يوم ما السؤال التالي: ما الذي جعل ممارستنا البيداغوجية في المغرب اختبارية و تبسيطية و تجريبية  و اختزالية و وضعية لا تتجاوز بدايات القرن التاسع عشر في آخر المطاف؟

إن أول سبيل لتلمس الإجابة عن سؤالنا أعلاه  يتمثل في غموض ما نعنيه في المغرب بعلوم التربية. فهذا التخصص وحده كان عليه أن يوضح الالتباسات التي تطال المشكل البيداغوجي في المغرب منذ أن تأسست مراكز التكوين بعامة. و نعني هنا بعلوم التربية تحديدا  فلسفة التربية و سوسيولوجيا التربية والسيكولوجيا و ما عدا هذه التخصصات أو الحقول المعرفية الكبرى يكون كل انتماء لعلوم التربية بالتبني لا بالشرعية المعرفية. فهذه التخصصات هي التي تهمها  إشكالات كثيرة منها:  ما معنى التربية ؟ و ما معنى البيداغوجيا؟ وما معنى التعلم وكيف يحصل؟ و لماذا ينبغى أن يرتبط التعلم و التنشئة الاجتماعية أو بناء الذات بالبيداغوجيا والتربية، أو لنقل كما يسميها المفكرون الكبار (كانط، أوغست كونت، دوركهايم ...إلخ) كيف  يرتبط كل ذلك بعلم التدريس أو فن التدريس أو علم التربية؟

ها هنا كان على الخطاب التربوي والبيداغوجي أن يشتغل على ارتباط البيداغوجيا بالتعلم والتنشئة الاجتماعية والغاية من التربية و أساسها ، وأن يبين بأن البيداغوجيا تهم الذات المتعلمة في جميع أبعادها  لتنشئة إنسان ما ، و بالتالي فإن الخطاب البيداغوجي- التربوي  هو خطاب عن الإنسان و ليس خطابا أداتيا اختباريا لا علاقة له بالمدرس(ة) و الطفل(ة) و المكون(ة) و المفتش(ة). و بتعبير أدق فإن كل خطاب بيداغوجي- تربوي هو خطاب في تربية الإنسان في آخر التحليل.

إذن سيكون خطاب علوم التربية هو أن يفتح للذات العارفة إمكانية أن تكون مسؤولة عن الخطاب البيداغوجي والتربوي مسؤولية فكرية وقيمية و مصيرية مادام خطاب البيداغوجيا خطابا في الإنسان. وهذا معناه أن الخطاب البيداغوجي ليس خطابا محايدا، وليس خطابا موضوعيا... إنه خطاب من أجل غاية فلسفية في آخر المطاف مهما كانت خلفيته السيكولوجية أو السوسيولوجية.

فالخلاصة الأولى التي نستخلصها من هذه النقطة أن الخطاب البيداغوجي المتهافت على الحياد والأداتية و النزعة الإجرائية الفجة – الذي يستسهل البدائل البيداغوجية أو يختزله في عناوين جوفاء كما حال علوم التربية في عدة التكوين في مراكز التكوين-  لم يكن يعي خلفياته في علوم التربية و لا غائياته و أسسه الفلسفية ، و لذلك ساد التبسيط و غابت الاختيارات الفكرية والحوار الفكري و انتعش فكر الهذيان التجريبي و استسهال خطاب علوم التربية.

 

و النقطة الثانية في تقديرنا لتفسير هذا التبسيط المعمم في خطاب علوم التربية منذ بيداغوجيا الأهداف إلى اليوم هو غياب التصور الفلسفي العام للتربية في المغرب. ماذا يعني المغرب بتربية الإنسان المغربي؟ ومن أين لنا بهذا التصور؟ وهل كل من نظر لنموذج بيداغوجي أجوف  في المغرب كان يطرح تصورا فلسفيا للتربية؟ و أي فلسفة في التربية  ينبغي أن ترشدنا إلى ذلك؟

يبدو أن السؤال حول التربية ظل غائبا منذ الاستقلال إلى اليوم رغم ما قد يعترض علينا البعض به من وجود بعض الوثائق الرسمية كالميثاق الوطني للتربية و التكوين أو الاجتهادات المعزولة هنا و هناك منذ كتاب الأستاذ الكبير محمد عابد الجابري حول التعليم وصولا إلى اجتهاد الاستاذ بوبكري في فلسفة التربية.

فالملاحظ أن الوثائق الرسمية كالميثاق لم تبلغ درجة كبيرة من النضج الفلسفي لتطرح تصورا لماهية التربية. كما أن الاجتهادات المذكورة ظلت محصورة لأن المطلب الثقافي و السياسي في المغرب لا يحبذ الأطروحات و النقد الجريء، بل لا يستقبل الخطاب الفلسفي في التربية بترحيب وضيافة كبيرين.

إن حالة الارتباك الذي أصاب علوم التربية منذ بداياتها في المغرب واضح للعيان. يكفي تفحص ما تقدمه كلية علوم التربية و شعب الفلسفة وعلم النفس و السوسسيولوجيا ، و ما تدرسه مراكز التكوين ، و كيف تفهم في المذكرات المنظمة للامتحانات المهنية ... فالجميع يتحدث عن علوم التربية و الجميع لم يأخذ علوم التربية على مأخذ الجد ليسأل السؤال التاريخي: ما هي علوم التربية؟

إن التفكير في التربية ، بل الكتابة في التربية تبدو دونية و لا أهمية لها في المغرب ، و ذلك ما يبدو من خلال تهميش لا شعوري ، ومن خلال جوائز اتحاد الكتاب في المغرب. و نحن نتساءل لماذا تغيب فلسفة التربية في الكليات و مراكز التكوين شأنها شأن سوسيولوجيات التربية  و مختبرات علم النفس؟ لماذا اختزلت علوم التربية في مراكز التكوين في تفاهات ديداكتيكية؟ من يحاربها ومن المستفيد من تغييبها؟

نقول لكل هؤلاء و أولئك أن علوم التربية هي من صميم العلوم الاجتماعية والفلسفة ، و لم و لن تقتلها رغبات المبسطين و الظلال التابعة ... لأن التربية هي معركة الفيلسوف و السوسيولوجي و السيكولوجي و الاقتصادي و الانتربولوجي و الإثنولوجي ....إلخ. إنها معركة المعارك، فلنفكر في هيجل و كانط و دوركهايم و سبنسر و فابر و ميرويو و غير هؤلاء كثير ... لندرك جهلنا و تفاهتنا.

 

الواقع الافتراضي وتقنياته في تعليم المستقبل

 



 

 

 

 

 

الواقع الافتراضي وتقنياته

في تعليم المستقبل

 

إعداد : فهد عبدالرحمن أبوسيف الجهني

مناهج وطرق تدريس العلوم

 

 

 

 

 

 

" اطلبوا العلم ولو في الحياة الثانية "

          مثل جديد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    بالنظر المتأمل في عملية التعليم والتعلم في صفوف أبنائنا ؛ هذا الجيل الجديد و المتجدد ما حوله من تقنيات ومتغيرات الحياة يتفاعل معها بجدارة وبشكل يومي ، توجب علينا البحث عن وسائل جديدة تواكب هذا المستوى المتطور ذهنيا وتقنيا. كما يتوجب علينا استخدام تلك التقنيات في الجانب التربوي وفي الصف الدراسي بدلا من قصرها على مجالات أخرى بعضها قليل النفع لأبنائنا .

من تلك التقنيات التي تحتاج إلى توظيف جيد في التربية والتعليم تقنية الواقع الافتراضي ، هذه التقنية التي يقتصر في استخدامها في وسطنا المحلي على الألعاب الترفيهية ، فلم لا نوظفها في تعليمنا المستقبلي خصوصا أن هناك تجارب حولنا في هذا العالم أثبتت فاعلية استخدام الواقع الافتراضي في التعليم .

   وفي هذا التقرير ألقي بعض الضوء على هذه التقنية سائلا من الله المولى عز وجل التوفيق والسداد . ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور محمد نجيب أبو عظمة الذي كان سببا لي في الولوج في هذا العالم والاستفادة بحق من هذا البحث .   

 

 

 

 

المبحث الأول :        مفهوم الواقع الافتراضي .

المبحث الثاني :        أدوات وأجهزة الواقع الافتراضي  .

المبحث الثالث :       استخدام الواقع الافتراضي في التعليم .

المبحث الرابع :       إيجابيات وسلبيات الواقع الافتراضي في

                                       مجال التعليم .

المبحث الخامس :     مستقبل الواقع الافتراضي .

                           المراجع

 

المبحث الأول : مفهوم الواقع الافتراضي Virtual Reality

تعريف الواقع الافتراضي :

   (برغم شيوع مصطلح الواقع الافتراضي، فمن النادر أن نجد مستخدميه يُجمعون على نفس المعنى لهذا المصطلح، وربما يكون التعريف الأقرب للصواب هو: أن الواقع الافتراضي عالم يصنعه الحاسب الآلي، بحيث يمكن للإنسان التفاعل معه آنياً، بنفس الأسلوب الذي يتفاعل به مع العالم الحقيقي ) [1].

   ( ويلعب البعد الثالث أو التجسيم دوراً رئيسياً في تقنية الواقع الافتراضي حيث تحيل المخرجات إلى نماذج شبيهة بالواقع وتجعل المتعامل معها يندمج تماماً كأنما هو مغموس في بيئة الواقع ذاته . وفي هذه التقنية تشترك فيها حواس الإنسان كي يمر بخبرة تشبه الواقع بدرجة كبيرة لكنها ليست حقيقية  ) [2].

بداية الواقع الافتراضي :

   ( إن المفكر الأمريكي آرثر كلارك هو من أوائل من حلم بالواقع الافتراضي وأصدر كتابا عن الخيال العلمي أسماه الواقع والنجوم ، وقد تخيل في عرضه للكتاب منذ نصف قرن من الزمان إلى وجود مدينة مستقبلية يقوم أفرادها بالاتصال فيما بينهم من خلال الاجتماعات والمؤتمرات بواسطة أجهزة إلكترونية متقدمة يتشاورون ويناقشون كثيرا من القضايا المهمة عبر هذه الأجهزة الإلكترونية التي لا تتطلب حضورهم إلى تلك المواقع على الرغم من تباعد أماكنهم بمسافات طويلة ) [3] .

     و( لقد طرح مصطلح الحقيقة الافتراضية Virtual Reality لأول مرة في عام 1989م، وقد أطلقت مصطلحات أخرى عديدة تشير إلى هذا المفهوم منها: الحقيقة الاصطناعية Artificial Reality عام في السبعينيات، و Cyberspace عام 1984، ومؤخرا العوالم الافتراضية Virtual Worlds والبيئات الافتراضية Virtual Environments في التسعينيات ( [4].

 

 أهمية الواقع الافتراضي :

   تكمن أهمية الواقع الافتراضي في أنه مثل الواقع الحقيقي كأنه هو ، فهو يعتبر وسيلة فعالة لمحاكاة الواقع مهما كان ظروفه وصعوبته , فمن خلاله يمكن تكوين بيئات مختلفة تحكي الواقع لا يمكن للفرد الوصول إليها  أو التعايش معها مثلا . فالبيئة الفضائية لايمكن للفرد المتعلم في بيئة المدرسة أن يعيش بها واقعيا ، وهنا يأتي دور الواقع الافتراضي في تكوين بيئة تماثل البيئة الفضائية وتمكن الفرد من التفاعل معها وكأنه في البيئة الحقيقة .

أنواع الواقع الافتراضي :

  ( هناك ثلاثة أنواع من الواقع الافتراضي، أو ثلاثة (عوالم) يخلقها هذا الواقع، وهي:

واقع افتراضي يخلق حالة من التواجد المكتمل:

  وفيه ، يتم إيهام المستخدِم بأنه لا وجود للحاسوب والعالم الحقيقي، فلا يرى أو يشعر بأي شيء سوى هذا العالم المصنوع ، الذي  يوجده الحاسوب ، ويتصرف - داخله-  بحرية تامة.

  وتتم (رؤية) هذا العالم المصنوع بواسطة خوذة خاصة، أو نظارة إلكترونية تتصل بالحاسوب ؛ كما يرتدي المستخدم ، في يديه قفازات إلكترونية ، كوسيلة إضافية لتجسيد الواقع الافتراضي ، تتيح له ملامسةً الأشياء التي (يظن) أنها موجودة.

واقع افتراضي محدود الوظيفة والمكان:

  ويستخدم هذا النظام في أجهزة المحاكاة (Simulators)، وينصبُّ اهتمام المصمم ، في هذا النوع  على محاكاة خواص أو جزئيات بعينها في الواقع الحي (الحقيقي)، مثل تأثير الجاذبية ، أو السرعة الشديدة ، مع اهتمام أقل بالتفاصيل.

واقع افتراضي طرفي:

  وهنا، تكون رؤية العالم الافتراضي ، ويتم التعامل معه ، عن طريق شاشة الحاسب الآلي ، دون الشعور بالتواجد الواقعي داخل العالم المصنوع.

  وثمة من يبشر بنوع رابع من الواقعية الافتراضية، لم يوجد بعد، لكنه مستخدم بكثرة في أفكار أدب الخيال العلمي، وفيه يتم تجاوز مخاطبة الحواس إلى مخاطبة العقل مباشرة، بمعنى أنه إذا كان العقل يتلقى من حواسنا المختلفة إحساسها بالعالم ، عن طريق إشارات كهربائية ، وتكون عملية الإدراك هي مسئولية العقل ، الذي يقوم بترجمة هذه الإشارات إلى عناصر لنا بها خبرة.. إذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن الإيحاء بوجود أي مؤثر عن طريق توليد نفس الإشارة الكهربية التي كان هذا المؤثر يقوم بتوليدها[5].(

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني : أدوات وأجهزة الواقع الافتراضي

أ) ألأجهزة التي تلبس على الرأس ( HMD )  :

    وهي تشبه القناع أو الخوذة وتكون مزودة من الداخل بشاشة أو شاشتين صغيرتين لعرض مناظر أحادية أو سماع الأصوات المؤثرة ( الاستريو ) ويستطيع الفرد من رؤية ما يعرضه البرنامج من خلال القناع أو الخوذة ، كما يمكنه من مشاهدة الأجسام بأبعادها الثلاثية أو قد يكون الغطاء كاملا للرأس إذ يمكنه من الرؤية والاستماع في الوقت نفسه [6].

ب ) قفازات اللمس ( Tactile gloves  ) :

  عبارة عن أجهزة إحساس تغطي كل اليد وتولد تفاعلا نشطا بين المستخدم والبيئة الافتراضية للتطبيق للإحساس باللمس والشعور بدرجة الحرارة على سبيل المثال ، كما أنها لها المقدرة على إيجاد الشعور بالظروف البيئية الحقيقية [7] .

 

ج ) مجسات الحركة( Motion Sensing ) :

       تعتمد هذه التقنية بشكل أساسي على بذلة خاصة يرتديها الممثل وتوضع عليها نقاط بيضاء في المواقع المفصلية ( مثل الرسغ، الأكواع، الكاحل، الركب)، وتوضع هذه النقاط كذلك على رأسه ووجهه، ويقوم زوج من وحدات فيديو بمتابعة حركات هذه النقاط (حيث تكون كل نقطة معرفة من خلال برنامج حاسوبي خاص)، و ربطها بنقاط مشابه على شخصية افتراضية يتم تكوينها في الحاسب، ومن خلال معالجات حاسوبية قوية وبرامج معقدة يتم تحريك الشخصية الافتراضية بحركات واقعية جدا باستخدام لقطات مختلفة مسجلة من حركة الممثل الحقيقي، وتعرف هذه العملية بالتحريك الأدائي Performance Animation ، وفي بعض التطبيقات تتم محاكاة حركة رأس الممثل ووجهه وعينيه وفمه من خلال شخصية افتراضية ناطقة.
ويهدف التحريك الأدائي إلى تحقيق بناء سريع ودقيق للشخصية في العالم الافتراضي، وقد استخدم هذا الأسلوب مؤخرا في إنتاج كثير من الأفلام  مثل: محاكمة أو. جي. سيمبسون التي احتوت على "تحريك أدائي" لما يفترض أنه حدث في موقع الجريمة[8] .

د) المنظار متعدد الاتجاهات  BOOM

المنظار متعدد الاتجاهات  BOOM الذي طورته Fakespace عبارة عن شاشات ونظام ضوئي مجتمعة بصندوق متصل بذراع متعدد التوصيلات، وعندما ينظر المستخدم من خلال فتحات في الصندوق يرى العالم الافتراضي، وبإمكانه توجيه الصندوق بأي اتجاه تسمح به سعة المعالجة الموجودة في الأداة، وتتم عملية تعقب الرأس من خلال مجسات في توصيلات الذراع الذي يحمل الصندوق [9].

 هـ) كهف البيئة الافتراضية الآلية CAVE

  تم تطوير كهف البيئة الافتراضية الآلية (Cave Automatic Virtual Environment) ، في جامعة إلينويز بولاية شيكاغو الأمريكية، وهو يعطي إيحاء بالاستغراق من خلال عرض صور مجسمة على جدران وأرض مكعب بحجم غرفة، ويستطيع عدد من الأشخاص الذين يلبسون نظارات مُجَسِّمة الدخول  والتجول بحرية داخل الكهف، ويقوم نظام تعقب لحركات الرأس بشكل مستمر بضبط عملية العرض المجسم حسب موضع الناظر المتقدم 2.

 و ) أجهزة مساعدة :

   تتنوع الأجهزة المساعدة في الواقع الافتراضي فمنها على سبيل المثال : قضيب التحكم و الفأرة ولوحة المفاتيح .

  وعموما فإن أجهزة الإدخال لبرامج الواقع الافتراضي في تطور مستمر إذ ظهرت في الأسواق حديثا بعض الأجهزة المساعدة مثل كرة التعقيب وعصا التحكم الثلاثية الأبعاد وعصا التنقل ورأس العقب وغير ذلك وجميعها أجهزة مساعدة لتطبيقات الواقع الافتراضي [10].

هـ ) نظام الحاسب الآلي :

  لا شك أن الواقع الافتراضي يعتمد جهاز الحاسب الآلي بشكل رئيس ، ولكن
(  للوصول إلى إحساس التام بحقيقة الواقع الافتراضي  لا بد من نظام حاسوبي ذي مواصفات عالية يتم توليد الأشكال الهندسية بطريقة مميزة توضح البيانات والمعلومات بشكل فني ورائع مماثل للواقع الافتراضي ) [11]. 

ز ) جهاز النانو مانيبيولاتور أو المعالج النانومتري ( Nnano Manipulator ( :

     يتضمن النانومانيبيولاتور آلة مشيرة تبدو مثل عصا قيادة السيارات، وتتصل هذه الآلة بكمبيوتر شخصيّ مزود ببطاقة رسم بيانيّ متقدمة للغاية، تقوم بتحويل بيانات المجهر لتعرضها على هيئة صورة ثلاثية الأبعاد ذات ألوان متعدّدة، ويمكن هذا المجس الدقيق العلماء من أن يلمسوا ويشعروا بمعالم الأشياء الصغيرة التي يدرسونها، ولقد شعر العلماء بالحوافّ الصّغيرة والفجوات المتواجدة في جزيئات البروتين، وبلزوجة بعض أنواع البكتريا الممرضة .

   وتقبع النسخة الأكثر تقدّما من النانومانيبيولاتور في قسم الفيزياء بجامعة نورث كارولينا في "تشابل هل".

ونظرا للأهمية الشديدة لهذا الجهاز في أبحاث الكثير من الباحثين في المؤسّسات الأخرى قام باحثو علوم الكمبيوتر في جامعة نورث كارولينا بعمل دراسة لجعل هذا الجهاز في متناول الجميع. وحاول "كيفين جيفاي" أستاذ علم الكمبيوتر أن يستعمل تقنيات الجيل الثاني من الإنترنت الذي سيؤدي نجاحه في استغلالها للسّماح للباحثين أن يرسلوا العيّنات ويتم فحصها عن بعد باستخدام الإنترنت. وقام هذا الباحث بالفعل بعمل تجربة عملية تم عن طريقها فحص عينة في جامعة بواشنطن العاصمة، على بعد 270 ميلا عن مكان فحصها في جامعة نورث كارولينا، ولكن شاب هذه التجربة بعض المشاكل [12] .

 

ح ) العوالم الافتراضية : ( عالم الحياة الثانية Second Life مثالاً ) :  

يعتبر الانترنت أيضا من أدوات الواقع الافتراضي ، وبطرق متعددة ،  أحد هذه الطرق هو العالم الافتراضي ، والحياة الثانية هي مثال للعالم الافتراضي .

    و( الحياة الثانية هي لعبة افتراضية ، تحتاج إلى اتصال سريع بالانترنت وجهاز كمبيوتر ذي مواصفات عالية لتستطيع تشغيلها ، تدور فكرتها حول صنع شخصية افتراضية لك ومن ثم تدخل لعالم افتراضي يشبه العالم الذي نعيشه، تستطيع التجول هناك بحرية، وبناء صداقات كثيرة، يمكنك المحادثة عن طريق النص ، الصوت وحتى الفيديو ، كما يمكنك أن تشتري منزلاً خاصاً بك ، أو أن تبدأ تجارة هناك، من خلال عملة هذا العالم والتي تدعى Lidden ..) . [13]

و( يقضي بعض اللاعبين مابين 4 إلى 10 ساعات يوميا على اللعبة ويشعر البعض منهم بانغماس شديد في اللعبة لدرجة أن بعض المنشآت والمشاهد التي تراها في اللعبة قد ترى مثيلاتها على أرض الواقع    [14] (  

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث : استخدامات الواقع الافتراضي في التعليم

      ( استخدمت المحاكاة الحاسوبية للأغراض التربوية لسنوات عديدة، - حتى قبل حلول الحاسبات الصغيرة، ثم في أواخر السبعينيات وفي الثمانينات أصبح هذا النوع من المحاكاة شائعا في الغرف الصفية ومختبرات الحاسب في الدول الغربية، وقد تراوحت في تعقيدها من المحاكاة البسيطة للعب بقطعة نقدية بهدف تعلم التوزع ثنائي الاحتمالات (على سبيل المثال)، إلى ابتداع نظام بيئي على شكل بحيرة تتفاعل فيها كائنات حيوانية متنوعة، وقد كانت هذه الأنواع من المحاكاة تقدم بشكل نصي أو رقمي، ولكن مع تطور الأجهزة وتطور إمكانياتها تطورت البرامج بحيث مكّنت من تقديم مخرجات مصورة. Graphical Output

   وإذا سلمنا بأن الرسم ثلاثي الأبعاد والمعتمد على الشاشة يعتبر شكلا من الحقيقة الافتراضية ، فيمكن القول بأن الحقيقة الافتراضية استخدمت منذ فترة في التعليم، ويمكن مشاهدة أحد الأمثلة في عمل فيرونيكا بانتلدس ولورنس أولد Veronica Pantelidis And Lawrence Auld، المديرين المشاركين لمختبر الحقيقة الافتراضية والتربية (VREL) ، في جامعة شرق كارولاينا، وفيه تستخدم حزمة برامج باسم Virtus VR من قبل أطفال المدرسة الابتدائية لتكوين الأجزاء الداخلية لغرفة أو مبنى، بما في ذلك تصميم الجدران والأبواب والنوافذ والأثاث ثم وضعها في المكان المناسب في البناء المعتمد على الشاشة Screen-Based Construction ، ويهدف هذا النشاط إلى تحسين قدرات الأطفال على تخيل الحيز والمكان ثلاثي الأبعاد، وتوفير المتعة، وإعطاء معنى لتحصيل الأطفال أثناء قيامهم بالتعلم.

     مثال آخر للاستخدام الحالي للحقيقة الافتراضية في التعليم نجده في مشروع جيسون Jason Project الذي يمكن بواسطته لأطفال المدارس أن يختبروا كلا من الوجود في البعد 'Telepresence' ( والذي يشير إلى الشعور بالوجود في مكان آخر غير مكان الشخص الحقيقي ) والعمليات عن بعد )  'Teleoperation' والتي تعني تحكم الأداة بالعمليات عن بعد)، وقد تم تصميم هذا البرنامج الذي تشرف عليه وكالة الفضاء الأمريكية NASA والذي بدأ في 1989، لإيجاد الإثارة والحافز عندا لأطفال لدراسة العلوم، والرياضيات، والتقنية، من خلال إتاحة التحكم للأطفال بواسطة الوجود في البعد بالعمليات البعيدة لمركبة تحت مائية (TROV) تقوم باستكشاف أعماق المحيط، بينما يشاهدون نتائج عملهم بالزمن الحقيقي Real-Time Results على شاشات فيديو كبيرة.

     وهناك كذلك تزايد في عدد الاستخدامات للحقيقة الافتراضية في التعليم العالي أيضا، ومن الأمثلة على ذلك مشروع المواقع التعلّمية Learning Sites Project الذي يعمل من خلاله فريق مكون من علماء آثار، وخبراء في الحقيقة الافتراضية، والنماذج ثلاثية الأبعاد، على بناء رسومات وصوتيات وقواعد بيانات، تمكّّن المستخدمين من استكشاف عدد من المواقع الأثرية ( في تركيا ومصر على سبيل المثال)، وتتيح التفاعل مع النسخ الافتراضية للمواقع التي تم ابتداعها بترجمة دقيقة للبيانات المسجلة عن المواقع الحقيقية، وتقرير كيفية هذا التفاعل، مثلا؛ إذا أثار اهتمام مستخدم ما زاوية مظلمة في الموقع الموجود في البيئة الافتراضية فإنه يستطيع التركيز على هذه المنطقة واستكشافها بمزيد من التفاصيل.

   وتوفر إتاحة هذه البيئات الافتراضية على الإنترنت الإمكانية للطلاب للوصول إلى معلومات وبيانات والاتصال بالخبراء في جميع أنحاء العالم، ويعمل الفريق الذي يقوده دونالد ساندرس Donald Sanders عالم الآثار في مؤسسة جتي Getty Institute على إتاحة هذا المنتج كنظام تعليمي معتمد على الإنترنت، وسيكون ذلك في البداية في جامعة شمال كارولاينا والمدارس المرتبطة بها، وفي المرحلة التالية سيتم التوسع في الحقيقة الافتراضية إلى حقل حفريات أثرية من خلال تقنيات "الوجود في البعد" و"العمليات عن بعد".

     ومن الميادين التي شهدت تطورا عظيما في استخدام الحقيقة الافتراضية للمساعدة في التعليم التربيةُُ والتدريب المهني، وبرامجُ التدريب العسكرية، وقد يرجع السبب في ذلك إلى المبالغ الضخمة التي يمكن أن تنفق في هذه المناشط  من قبل المنظمات التجارية والعسكرية، والإنترنت متخم بالمراجع حول مشاريع التربية والتدريب المهني والمشاريع التجارية لاستخدام الحقيقة الافتراضية في التدريب.  

     ومن هذه المنتجات، طاولة العمل Immersive Workbench التي طورتها شركة فاكسبيس Fakespace ، ( والتي سأَصطلح تسميتها بطاولة العمل الاستغراقية ، ومصطلح  Immersive   يعتبر نوعا من الحقيقة الافتراضية، أو تعبيرا يرتبط بمستوى الإيحاء الذي تقدمه الحقيقة الافتراضية كأن يقال( Non-Immersive,Deep Immersive Or Fully Immersive )، وتُمكن هذه التكنولوجيا المستخدم - من خلال نظارات خاصة ثلاثية الأبعاد، وقفازات مصممة خصيصا- من التفاعل مع أجسام افتراضية ثلاثية الأبعاد على طاولة عمل افتراضية  ، ويمكنه على سبيل المثال رفع وخفض ومعالجة مكونات مختلفة لمحرك سيارة افتراضي ، ونقله إلى أي مكان على طاولة العمل باستخدام أصابعه (الإبهام والسبابة (.

     وترى شركة فاكسبيس أن تصميم الطاولة يتيح عمل المجموعات التعاوني، والتفاعل والعمل على المشاريع في نفس الوقت، وقد تم تبني طاولة العمل الافتراضية من قبل شركة سيلكون جرافيكس ، ومركز الأبحاث في ناسا ومختبر نافال للأبحاث في الولايات المتحدة، كما استخدمت في تدريب فريق عسكري لتحرير الرهائن على أفضل اقتحام لمبانٍ افتراضية        [15] .

     أما بالنسبة لعالم الحياة الثانية فهو أرض خصبة جدا للتطبيقات التعليمية ، (  فبعض الباحثين استفادوا من هذه البيئة بخلق شخصيات تعكسهم بأسمائهم الحقيقية و القيام بالتجول في هذا العالم وتقديم محاضرات أو الترويج لكتاب مثل ما قام به Larry Lessig حيث اتفق مع ما يقارب من 100 شخصية افتراضية للتجمع في  مكان افتراضي يسمى Pooley  و الحديث عن كتابه الجديد بعنوان “Free Culture” وتوزيع نسخ إلكترونية منها وأيضا التوقيع عليها افتراضيا. )[16]

    وهنا سوف أورد تجربة لأحد كتاب المدونات ـ وهو المدون محمد بشير عبد العظيم ـ عندما دخل إلى عالم الحياة الثانية بحثا عن العلم ووجد مركزا للتدريب ثم أخذ ينتقل من مكان لأخر بحثا عن العلم والفائدة حتى وجد مسجدا وبه مكتبة إسلامية وحلقات علم . . .  وأتركك أخي القارئ الكريم لترى وتتعجب عن هذه الحقائق الافتراضية  .

   يقول  محمد بشير عبدالعظيم : "  اطلبوا العلم ولو في الحياة الثانية !!
هذا ما سنسمعه قريباً عوضاً عن طلب العلم في الصين، ربما بسبب التطور السريع الذي يعيشه عالم التكنولوجيا والاتصال .
التعليم الالكتروني عن بعد هو أحد الأشياء الكثيرة وربما أكثرها فائدة التي قد تجدها في الحياة الثانية.

بدأت رحلتي اليوم بالذهاب إلى مركز Cisco للتعليم، الريح كانت شديدة نوعاً ما، الأشجار تتمايل بشدة أمام المبنى، ولافتات المركز تكاد تطير !!    دخلت المبنى، شاشة كبيرة أمامي، تعرض عرضاً تقديمياً عن الشركة ، خلفها العديد من الإعلانات عن الدورات. تجولت في المبنى، يبدو لي أنه جديد نوعاً ما، لم أجد بشراً هناك، غرف كتب عليها أنها للموظفين، يبدو أن الدوام قد انتهى أو لا أحد هنا ..

     وصلت إلى غرفة صغيرة، فيها شاشة صغيرة وجهاز iPod، جلست وبدأت أستمع لشرح على الشاشة أمامي.. لم يرق لي المكان كثيراً .. بحثت عن مركز تعليمي آخر، بعد بحث وجدت مركز Netg العالمي، المكان يبدو رائعاً وأكثر تنظيماً ،، وقفت أمام لوحة الدورات القادمة، دورة في كتابة السيرة الذاتية، دورة في التحكم في الكاميرات، دورة في أساسيات البرمجة، ودورات أخرى، أقرب موعد بعد ساعتين ..

    وجدت شاشة للعرض والتعريف ، جلست أمامها وبدأت بالمشاهدة، نقاوة الصوت والصورة رائعة بالنسبة لسرعة اتصالي بالانترنت ..

 

 

 

 

 

 

بعد أن انتهيت قررت أن أتجول قليلاً في المبنى ، أكشاك حول البيع للمبنى، أناس تتجول هنا وهناك، وصلت لقاعة التدريب الرئيسية ..

مئات من أجهزة الحاسوب أمامي، جلست أمام أحدها قليلاً، يوجد عرض لإحدى الدورات ..

 
تركت المكان مفكراً بمستقبل التعليم في الحياة الثانية ، وما يمكن أن توفره علينا من تكاليف ووقت !!

      أين سأذهب الآن،، جربت أن أبحث عن مسجد مع أني كنت متأكداً من عدم وجوده،، وهنا المفاجأة .. يوجد مسجد في إحدى الجزر ..  أسرعت إليه ،، مسجد أمام نهر جار، دخلت إليه،

 

 

 

 

 

 اندهشت من روعة تصميمه، وقفت منبهراً لوجود مسجد هنا ، أصوات المياه من مكان الوضوع تختلط بصوت الطيور الرائع ..  دخلت إلى المسجد وأشعة الشمس تدخله بطريقة جميلة .. وقفت أفكر ماذا سأفعل،  فجأة وجدت خلفي صاحب المسجد ..  أول شخص أبدأ بالكلام معه هناك .. اسمه سلام محمد أسباني الجنسية ، عرفته على نفسي، شكرته على إنشاء هذا المكان .. أخبرني أن المسجد هو أول مسجد في الحياة الثانية وقد بني منذ 4 أشهر ،، ويوجد 3 مساجد هنا.

 

 

 

 

 

 

    علمت منه أن هناك 45 شخصاً يترددون على المكان باستمرار، وأن 1250 شخصاً زاروا المسجد خلال الشهر الماضي ..   فرحت كثيراً .. أدخلني معه إلى مكتبة داخل المسجد، هناك عدد من المصاحف ،، دعاني لقرائتها ، جلست أمام المصحف وعندما لمسته بدأ مشغل الصوت عندي يتلو سورة آل عمران من خلال رابط لموقع طريق الإسلام. أخبرني عن نيتهم تكوين مكتبة إسلامية كبيرة هناك ،، استأذن صديقي للانصراف، ودعته ووعدته بمعاودة الزيارة في مرات مقبلة .. خرجت من المكتبة ، صليت على سجادة الصلاة في المسجد !! عند خروجي وجدت أمامي صندوقاً للتبرعات للمسجد، لم أكن أملك غير 1L$ وهي عملية الحياة الثانية، وضعتها في الصندوق، وخرجت وأنا أحمد الله أن بداية الخير بدأت تتنشتر هناك .. وأنا أمام المسلمين الكثير ليقوموا بها هناك .. ) [17]

    وخلاصة القول أن الواقع الافتراضي يعد أداة مثالية في التعليم ، وأن استخدامه كوسيلة تعليمية يصبح أكثر عمقا في تقديم التجارب التعليمية المتنوعة .

       ويمكننا تصنيف التجارب والتطبيقات الافتراضية التي استخدمت للتعليم  حسب الأصناف التالية :

1.     الألعاب الافتراضية التعليمية .

2.     المسرح الافتراضي .

3.     المعمل الافتراضي .

4.     المتحف الافتراضي .

5.     البيئات التعليمية الافتراضية . ( الفصول الافتراضية ، وقاعات التدريب ، وحلق العلم ، والمكتبات الدراسية ، الجامعات الافتراضية والمؤتمرات العلمية )

6.     الحديقة الافتراضية .

7.     الفضاء الافتراضي والطيران .

8.     المصانع الافتراضية ومعاهد التدريب المهني الافتراضية .

9.     المحاكم الافتراضية والجنايات الافتراضية .

10.     العمليات الطبية الافتراضية .[18]

 

المبحث الرابع : إيجابيات وسلبيات الواقع الافتراضي في

                      مجال التعليم . [19]

ما يميز الواقع الافتراضي عند تطبيقه في مجال التعليم وجعله وسيلة ممتازة من وسائل التعلم عددا من الأمور أهمها :

1.     (التواجد الحميم (الانغماس) : و هو الشعور الذي يتولد لدى مستخدم برامج الواقع الافتراضي بأنه متواجد -حقَّـــاً– داخل هذا العالم، ومرتبط به، ومسئول عنه.  [20]

2.     التفاعل:   وهو قدرة مستخدم البرنامج على التأثير في هذا العالم المصنوع الذي يراه أمامه، والتعامل معه بنفس المنطق الذي يستطيع التعامل به مع الحياة العادية، فلا يكون ملزماً بسلوك بعينه، أو زوايا رؤية لا يحيد عنها، مثلاً. ) 2

3.     إمكانية توليد ومعايشة أي بيئة مهما كانت واقعية أو تخيلية .

4.     تعد المحاكاة في الواقع الافتراضي بديلا ممتازا للتعليم والتدريب حيث تعطي فرصا للطالب بالتكرار والتعلم بالمحاولة والخطأ ، والمحافظة على التكلفة المادية .

5.     إمكانية تلافي الأخطار المتوقعة في العالم الحقيقي ، مثل دراسة المفاعل النووي أو قيادة الطائرة وغيرها .

6.     تسمح للطلاب بإجراء التجارب المعملية خطوة بخطوة كما تهيئ له فرصة الاستمرار في التجربة خلال مدة زمنية مفتوحة وباستخدام تقنيات جديدة عبر الاستعمال الفعلي للتجربة ، وتهيئ الطالب للتفاعل مع التجربة الافتراضية والمشاركة الايجابية فيها وفق النتائج التي يحصل عليها .

7.     تشجع الإبداع والابتكارعند الطلاب في البرامج التي تعتمد على الإنشاء والخلق والتصنيع .

8.     إن استخدام تقنية الواقع الافتراضي في القاعات الدراسية سيؤدي إلى تشجيع الطلاب على تجاوز حالة التلقي السلبي من المعلومات لينطلقوا نحو المشاركة الفعالة في التعليم التي ربما تدفعهم إلى مواصلة تعليمهم العالي أو الذاتي في المجالات المتعددة .

9.      التوفير المادي ، حيث أقيمت جامعات وفصول ومباني افتراضية لو أقيمت على أرض الواقع كلفت الكثير جدا .

10.  إمكانية التجديد والتحديث خصوصا وأن الواقع الافتراضي يعتمد على تقنية متجددة وبشكل متسارع .

11.  يخلق جوا من  المتعة والإثارة والتشويق ، ويعتبر عنصرا جاذبا في مدرسة المستقبل . 

سلبيات الواقع الافتراضي في مجال التعليم :

على الرغم من فاعلية الواقع الافتراضي وأهميته في مجال التعليم والتدريب ، إلا أنه لا يخلو من السلبيات التي تعيق من عملية استخدامه ومن هذه العيوب والسلبيات :

1.     محدودية استخدام الواقع الافتراضي نتيجة للتكاليف المبدئية الباهظة عند شراء الأجهزة المطلوبة وارتفاع سعر تكلفة إنتاج البرامج الافتراضية .

2.     محدودية تأثير الحواس الخمس في نظام الواقع الافتراضي الذي لا يتجاوز في استخدامه إلا حاسة السمع والبصر واللمس ، ولكن ربما ستظهر مستجدات أخرى تستخدم الحواس الأخرى مستقبلا .

3.     الاستخدام المفرط لبرامج الواقع الافتراضي وأمام أجهزة الحاسوب ، له تأثيره الصحي السلبي .

4.     إن استخدام نوعيات خاصة من نظم الحاسب الآلي التي تتضمن تواتر إطارات الصور المتحركة والتي تزيد عن خمسة عشر إطارا في الثانية يؤدي إلى إصابة الفرد بالغثيان والصداع وأعراض أخرى مثل إرهاق الجهاز العصبي وتوتره .

5.     (  العالم الافتراضي يضع كل فرد أمام العالم بأسره متيحاً له كل الأفكار والمذاهب والنِّحَل, وهذا مايزيد من انفراط الدور الاجتماعي والتربوي، ويقلَّص من ممارسات الوصاية، وخلخل فكرة الرأي الواحد. )[21]

 

 

 

المبحث الخامس :   مستقبل الواقع الافتراضي .

   ( تعد تقنية البيئة الافتراضية من التقنيات المتنامية وسيمضي بعض الوقت على تبني الكمبيوترات المكتبية لهذه البيئة نظرا لتوقف انتشار هذه التقنية على توفر دعم لها في أنظمة التشغيل المختلفة، وعدم ملائمتها للتطبيقات المستخدمة في هذا النوع من الكمبيوترات، ولكن إنتل حلت هذه المعضلة عن طريق تعاملها مع شركات برامج لتقديم دعم لها في برامجهم دون الاعتماد على دعم نظام التشغيل. ويتبنى مطورو البرامج وأنظمة التشغيل هذه التقنية إضافة إلى الشركات المتخصصة بإنتاج مكونات الكمبيوتر الصلبة أمثال آي بي إم وأيه إم دي. ) [22]

   من جهة أخرى ، و( بعد أن أصبحت «إم تي في» واحدة من أشهر الأسماء في عالم الشبكات التلفزيونية، تحاول الآن أن تعزز نجاحاتها لتصبح زعيمة في تسويق العوالم الافتراضية. وهذه كانت رسالة هذه الشبكة العملاقة خلال الكلمة التي قدمتها في مؤتمر العوالم الافتراضية لعام 2007 الأخير الذي عقد في نيويورك.

   وأطلقت الشبكة إستراتيجية منصتها الجديدة المختلطة «4 دي»، أي الأبعاد الرباعية. وسينصب مسعاها الأساسي هذا، على الدمج بين المحتوى الموجود في البرامج التلفزيونية في شبكات «إم تي في»، مع العوالم الافتراضية الثلاثية الأبعاد، ومن ثم وضعها ضمن دائرة تفاعلية بحيث يمكن للأشخاص التفاعل من خلالها مع الشخصيات التلفزيونية وإنتاج محتوى جديد، يصبح بدوره جزءا من الخبرة التي يتشارك فيها الجميع ) [23].

  وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال عن دور المسلمين في العالم الافتراضي والتقنيات الافتراضية المقبلة ، وكيفية استثمارها في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر الدين الإسلامي .

   وكما نرى فإن ( عالمية" المجال الافتراضي، دفعت إلى ظهور مفاهيم جديدة يتداخل فيها التقني مع الإنساني (الحب الإلكتروني، إمبريالية الإنترنت، إدمان الإنترنت ...) مما يضغط باتجاه إعادة تعريف الذات والعلاقة مع الآخر، واكتشاف الهوية في عالم تمتزج فيه الهويات، كما تدفع إلى تجديد "عالمية الإسلام" فهماً وتطبيقاً، مما يوجب البحث في اتجاه بلورة خطاب اسلامي جديد عبر الإنترنت رؤيةً ومنطلقاتٍ ولغةً، فقد باتت الرسالة الاتصالية عبر الإنترنت شبكةً من الاتصالات (الشبكة العنكبوتية) ، مما يفرض تعدد مستويات الخطاب الاسلامي بما يواكب تنوع وتركيب الجمهور ) [24].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

المراجع :

1

 

جمال الشرهان ؛ الوسائل التعليمية ومستجدات تكنلوجيا التعليم ، ط3 ، الرياض 1423هـ  .

2

جمال الشرهان ؛ الكتاب الإلكتروني والمدرسة الالكترونية و المعلم الافتراضي ؛ ط2 ، الرياض ، 1426هـ .

3

رجب سعد السيد ؛ مقال بعنوان (الواقع الافتراضي: عالم تصنعه التقنية ).

موقع : ميدل ايست اونلاين : http://www.middle-east-online.com/?id=42568

4

معتز الخطيب ، عنوان المقال : ( الإنترنت الإسلامي .. أين الخلل؟ ) . موقع لمعرفة : http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AB26DC74-F13F-41EC-902D-69238D12AB36.htm#0

5

اسم الموقع : ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

عنوان المقال :( بيئة افتراضية ) ،

 

6

جريدة الشرق الأوسط   الثلاثاء 29/ ربيع الأول /1428  العدد 10367، عنوان المقال (عوالم افتراضية «رباعية الأبعاد».. تبشر بثورة تلفزيونية) ،

 

 

7

محمد بشير عبد العظيم ، رحلتي إلى الحياة الثانية (1) ،

 http://mbaatalk.com/2007/03/11/my-journey-to-the-second-life-1/

8

محمد بشير عبد العظيم ، رحلتي إلى الحياة الثانية ( 2)

http://mbaatalk.com/2007/03/14/my-journey-to-the-second-life-2/

 

9

عصام فريحات ؛ مقال (الحقيقة الافتراضية ماهيتها، وبعض تطبيقاتها التربوية  ) . الموقع : مراكز مصادر التعلم والمكتبات المدرسية    

http://www.informatics.gov.sa/lrc/readarticle.php?article_id=13

 

10

عصام فريحات ؛ مقال (الحقيقة الافتراضية : تعريف مبسط ) .

اسم الموقع : مراكز مصادر التعلم والمكتبات المدرسية    

 

http://www.informatics.gov.sa/lrc/readarticle.php?article_id=14

 

 

11

طارق يحيى قابيل ، مقال (تطبيقات جديدة لعالم الواقع الافتراضي ) .  

 

اسم الموقع :اسلام أون لاين . نت

 http://www.islamonline.net/Arabic/Science/2001/02/Article1.shtml

12

Admin ، مقال بعنوان ( الحياة الثانية هروب من الواقع لعالم الخيال ) . موقع التقنية بزر واحد ؛

http://www.tech2click.net/archives/472

 

13

Admin ؛مقال بعنوان ( العوالم الافتراضية . . .. فرصة للدعة إلى الإسلام ) ، موقع التقنية بزر واحد ،

 http://www.tech2click.net/archives/680

 

14

مقال بعنوان (الواقع الافتراضي ) ، اسم الموقع : تكنولوجيا التعليم

 

عنوان الصفحة :  http://www.khayma.com/education-technology/tch.htm



[1] ) رجب سعد السيد ؛ مقال (الواقع الافتراضي: عالم تصنعه التقنية ).

[2] ) موقع تكنولوجيا التعليم ؛  مقال( الواقع الافتراضي ) .

[3]  )  جمال الشرهان ؛ الوسائل التعليمية ومستجدات تكنلوجيا التعليم ، ص 228 .

 

[4]  ) عصام فريحات ؛ مقال (الحقيقة الافتراضية : تعريف مبسط ) .

[5]  ) رجب سعد السيد ؛ مقال (الواقع الافتراضي: عالم تصنعه التقنية ).

 

 

[6] )  جمال الشرهان ؛ مرجع سابق ، ص 231 .

 

[7] ) المرجع السابق ، ص 232.

 

[8] (  عصام فريحات ؛ مقال (الحقيقة الافتراضية ماهيتها، وبعض تطبيقاتها التربوية  ) .

[9] (   عصام فريحات ؛ مقال (الحقيقة الافتراضية : تعريف مبسط ) .

[10] ) انظر :  جمال الشرهان ؛ الوسائل التعليمية ومستجدات تكنلوجيا التعليم ، ص 234 .

[11]) جمال الشرهان ؛( الكتاب الإلكتروني والمدرسة الالكترونية و المعلم الافتراضي )؛ ص112

[12]  ) طارق يحيى قابيل ، مقال (تطبيقات جديدة لعالم الواقع الافتراضي ) .

[13] )  محمد بشير عبد العظيم ، مدونة محمد بشير بعنوان ( الحياة الثانية 1 ) .

[14]  (  admin ، مقال بعنوان ( العوالم الافتراضية ... فرصة للدعوة إلى الإسلام )

[15] (  عصام فريحات ؛ مقال بعنوان (الحقيقة الافتراضية ماهيتها، وبعض تطبيقاتها التربوية  ) .

 

[16]  ) admin ، مقال بعنوان ( الحياة الثانية هروب من الواقع لعالم الخيال ) .

[17] )  محمد بشير عبد العظيم ، مدونة محمد بشير بعنوان ( الحياة الثانية 2 ) .

 

 [18] ) انظر :  جمال الشرهان ؛ الوسائل التعليمية ومستجدات تكنلوجيا التعليم ، ص 241-252

 

 

[19] ) انظر :  جمال الشرهان ؛ الوسائل التعليمية ومستجدات تكنلوجيا التعليم ، ص 252 وما بعدها

 

[20] ) رجب سعد السيد ؛ مقال بعنوان (الواقع الافتراضي: عالم تصنعه التقنية ).

 

[21] ) معتز الخطيب ، عنوان المقال : الإنترنت الإسلامي .. أين الخلل؟ .

 

[22] ) الموقع : ويكيبيديا، الموسوعة الحرة ، عنوان المقال : بيئة افتراضية .

[23]  ) جريدة الشرق الأوسط العدد 10367 ، عوالم افتراضية «رباعية الأبعاد».. تبشر بثورة

      تلفزيونية

 

[24] ) معتز الخطيب ، عنوان المقال : الإنترنت الإسلامي .. أين الخلل؟ بتصرف يسير .