الأحد، 21 مايو 2023

التربية التجريبية

 



 

التربية التجريبية

عند عبدا الله عبد الدايم

إعداد : محمد وخدجو

 

 

نبذة عن حياة  الكاتب

ولد الدكتور عبد الله عبد الدائم بسوريا في مدينة حلب في 30 يونيو 1924، و توفي يوم الأربعاء 10 شتنبر 2008. حاصل على ليسانس الآداب (قسم الفلسفة) و على دكتوراه الدولة في الآداب (تربية) من جامعة السوربون بباريس.

 حاز على جائزة سلطان العويس الثقافية  في ميدان الدراسات الإنسانية والمستقبلية ، . و حمل  وسام الاستحقاق في كل من الجمهورية العربية السورية، و الجمهورية المصرية، وسام النهضة من المملكة الأردنية الهاشمية

شغل وظائف عديدة منها:

 أستاذ للفلسفة ، أستاذ أصول التربية ورئيس قسم أصول التربية بجامعة دمشق،  مدير للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإرشاد القومي بسورية ،  وزير للإعلام في الجمهورية العربية السورية (1962و 1964) و  وزير للتربية كذلك سنة 1966 

 أهم مؤلفاته التربوية باللغة العربية

v              التخطيط التربوي، أصوله وأساليبه الفنية في البلاد العربية بيروت دار العلم للملايين، الطبعة التاسعة. تموز/ يوليو 1999.

v               التربية التجريبية والبحث التربوي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة. شباط/ فبراير 1988.

v               التربية عبر التاريخ، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة السابعة. كانون الثاني/ يناير 1997.

v              التربية العامة (مترجم عن أوبير) بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثامنة. كانون الثاني/ يناير 1996.

v               التنبؤ بالحاجات التربوية تحقيقاً لأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية بيوت المكرز الإقليمي لتخطيط التربية وإدارتها في البلاد العربية،.

v               الجمود والتجديد في التربية المدرسية (مترجم عن آفانزيني)، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية. تموز/ يوليو 1995.

v               التربية في البلاد العربية، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة السادسة. آب/ أغسطس 1998.

v               التربية وتنمية الإنسان في الوطن العربي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية. تشرين الأول/ أكتوبر 1997.

v              نحو فلسفة تربوية عربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية. آذار/ مارس 2000.
أهم مؤلفاته القومية والفكرية

v               دروب القومية العربية، بيروت، دار الآداب، 1958.

v               التربية القومية، بيروت، دار الآداب، 1959.

v               القومية والإنسانية، بيروت، دار الآداب، الطبعة الأولى حزيران / يونيو 1957 ، الطبعة الثالثة حزيران / يونيو 1960.

v               الاشتراكية و الديموقراطية، بيروت، دار الآداب، 1961.

v               الجيل العربي الجديد، بيروت، دار العلم للملايين، 1961.

v               التخطيط الاشتراكي، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1965.

v               في سبيل ثقافة عربية ذاتية، بيروت، دار الآداب، 1983.

v               منبعا الأخلاق والدين، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1984.

v               دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، دار الطليعة، بيروت، أيار/ مايو 1998.
بعض مؤلفاته المدرسية

v               الموجز في علم النفس (للصف الثاني عشر) بالاشتراك مع سامي الدروبي. مطبوعات وزارة التربية، دمشق 1950.

v               علم الاجتماع (بالاشتراك مع حافظ الجمالي)، مطبوعات وزارة التربية، دمشق 1950.

v               المجتمع ومشكلاته (بالاشتراك مع حافظ الجمالي وأديب لجمي)، مؤسسة الكتب المدرسية، دمشق 1959.
مؤلفاته بالفرنسية

v               L’Orientation scolaire dans L’Enseignement secondaire (Presses Universitaires de Damas) 1954.

v              L’ Oniromancie Arabe (Presses Universitaires de Damas) 1958.

 

           و يقدم هذا الكتاب النفيس محاولة جدية تحث الباحثين والمعلمين والدارسين على روح البحث العلمي، وتوقظهم لهموم التجريب ومشاغل التنقيب. وإذا كانت الروح العلمية هي التي ينبغي أن تكون عدة الأمة العربية وسلاحها ضد كل ما يهدد وجودها، فالبحث العلمي هو الذي يخلقها ويكونها.


القسم الأول : موضوع التربية التجريبية ، طرقها و حدودها

الفصل الأول : ما هي التربية التجريبية

1.                التربية التجريبية وعلم النفس التجريبي :

     إن التربية التجريبية تبحث بحثاً مستنداً إلى التجربة والاختبار في شروط العمل المدرسي والتربوي عامة وفي أحسن الوسائل التي ينبغي أن تستعمل فيه، في حين يبحث علم النفس التجريبي في قوانين العمل النفسي عامة دون أن يهتم بمردوده التربوي ، ودون أن يوجه دراسته وجهة مدرسية. على أن استناد كليهما، فيما يعطي من نتائج ويقرر من مبادئ، إلى التجربة والبحث العلمي وحده، يجعل بينهما صلات لا تنكر، تقويها أيضاً الصلات القائمة بين المعرفة بالحوادث النفسية عامة وبين معرفة هذه الحوادث ضمن ظروف معينة هي هنا ظروف التربية والتعليم. ولعل نسبة التربية التجريبية إلى علم النفس التجريبي كنسبة الجراحة إلى التشريح.

ونظرا إلى توظيف معطيات علم النفس التجريبي ظهرت البيداغوجيا التجريبية والديداكتيك التجريبي. كما ساعدت نتائج هذا العلم على تطوير البحث الديداكتيكي بتقديم عدة معطيات حول ميول المتعلم الذي لا يجيد إلا العمل الذي يتذوقه .

2.                التربية التجريبية والروائز  (tests)

تستخدم الروائز في التربية التجريبية كوسائل للبحث وليست لها غاية في ذاتها. وقد كان طبيعياً أن يستنفذ وضع الروائز جانباً كبيراً من نشاط المربين في بداية نشأة التربية التجريبية. ذلك أن حل كثير من مشكلات التربية حلاً موضوعياً علمياً كان يستلزم خلق أدوات بحث لم تكن قبل ذلك، ومن أهمها الروائز.

توظف فرديا أو جماعيا لقياس معارف واختبارات التحصيل المدرسي. إنه تقنية ناجعة يستعملها المعلم والأستاذ لمراقبة التطور البيداغوجي لدى التلاميذ .

3.                التربية التجريبية والعلوم البيولوجية والطبية :

ثمة أشخاص يحملون فكرة غامضة وناقصة عن التربية التجريبية خاصة الأطباء، فيرون فيها مجرد تطبيق لمختلف حقائق العلوم البيولوجية والطبية على الحياة المدرسية.

و نجدهم يضعون تحت اسم التربية التجريبية أبحاثاً من مثل القياسات الطبية الصحية التي من شأنها أن تيسر نمو الطالب نمواً طبيعياً؛ ومن مثل مشكلة التعب والإعياء أو إنشاء الأثاث المدرسي وإقامة التمارين الرياضية على أساس علمي مستند إلى أسس تشريحية ونفسية ...

4)               التربية التجريبية والتربية الحديثة:

 التربية الحديثة تعتمد على وسائل لم تختر نتيجة تمحيص تجريبي دقيق، فالخلط بينها وبين التربية التجريبية خلط من وجهتين: وجهة الموضوع ووجهة المنهج.

إن طريقة (دو كرولي Decroly) القائمة قبل كل شيء على استخدام مراكز الاهتمام لدى الطفل، تنتسب إلى التربية الحديثة، وقد استوحى الضرورة البيولوجية لدى الإنسان وأحسن الإفادة من اللعب لدى الطفل وحاول الملاءمة بين تربيته وبين مظاهر نشاط المجتمع، وأقام منهجه في القراءة والكتابة على أساس النزعة التركيبية لدى الطفل Syncretisme: وكل تلك أمور فيها توجيه علمي ولكنها ليست عملاً تجريبياً.

إذاً فالشرط الأول الذي ينبغي أن يتحقق لوصف تربية معينة بأنها تربية تجريبية هو أن يتم تحقيق ظروف تجريبية تمكننا من الحكم على قيمة هذه الطريقة أو تلك وعلى هذا المذهب أو ذاك.

 

5.                التربية التجريبية وبعض المدارس:

وثمة اصطلاحات طالما استعمله الكتاب للدلالة على بعض المدارس ذات الطابع الجديد, وكان له أثر أيضاً في الإبقاء على الخلط بين المقصود من الخبرة بمعناها الواسع وبين التجريب. ونقصد بهذا الاصطلاح ما يدعى المدرسة التجريبية (Ecole experimentale ). و يرجع إلى القرن الثامن عشر نفسه حين أطلقه كثير من الكتاب على مؤسسة بازدو Basedow. والواقع أن هذه المؤسسة لم تكن مخبراً للتربية تجريبياً ولكنها مؤسسة تستهدف التعليم والتربية على ضوء أفكار روسو وأصحاب الموسوعة.

ومن بين هذه المدارس الحديثة التي يطلق عليها اسم (المدارس التجريبية) مدرسة (جزيرة الشبيبة) ومدرسة (ايلزنبورغ Ilsenburg) وغير تلك من المدارس الألمانية. فهي جميعها لا تتوفر فيها الشروط اللازمة كي توصف بأنها تجريبية حقاً.

6.                  التربية التجريبية والبحث التربوي:

البحث التربوي أوسع وأشمل من التربية التجريبية، وهذه الأخيرة، جزء منه وليست كله، ذلك أن كل نشاط يتصل بعملية التربية نشاط يعني البحث التربوي.ويعني هذا أن البحث التربوي واسع الإطار شامل النطاق، ومن أهم مجالاته:

أ ـ الدراسات التجريبية ؛

 ب  ـ الاستقصاءات بأنواعها المختلفة؛

 ج ـ الدراسات النظرية والتاريخية والفلسفية ؛

 د ـ البحث التطبيقي المنصبّ على مناهج وطرائق محلية.

7.                موضوع التربية التجريبية وطريقتها:

التربية التجريبية، تربية مخبرية، لا تدرس فيها حالات مصطنعة. ذلك أن مخبر التربية التجريبية يطلق على المدرسة، والمختبرون هم الطلاب أو الأساتذة. والظواهر التربوية التي تعنى هذه التربية بدراسة نتاجها وأثرها هي مجموع العوامل الطبيعية والاصطناعية التي تساهم في تغيير الطالب تبعاً لأهداف معينة. وهذه الظواهر التربوية هي من الوضوح بحيث لا نلقي عسراً في تمييزها من غيرها.

خطوط البحث التجريبي التربوي:

 أ ـ أول مهمة ينبغي أن يضطلع بها الباحث التربوي هي صياغة مشكلته بوضوح.

     ب ـ بعدها، ينبغي أن تلتقط جميع العناصر اللازمة لحل المشكلة.

     ج ـ تصنيف العناصر الكافية وتحليلها. عن طريق الإحصاء والخطوط البيانية ؛

      د ـ تأويل النتائج التي تقدمها التجربة والملاحظة المنظمة.

الفصل الثاني : حدود التربية التجريبية وصعوباتها

1.                                        الصعوبات المعنوية:

لا نستطيع التخلص من الأهداف الفلسفية في ميدان التربية

إن المربي لا يستطيع أن يتخلص من تاكيد مبادئ معينة في الحياة ونظرة معينة إلى الأشياء وقيمتها . وجميع الذين اهتموا اهتماماً نظرياً أو علمياً بشؤون التربية انتسبوا ضمناً أو صراحة إلى مذهب فلسفي، وضروب الصراع بين المدارس التربوية، في الماضي والحاضر، قامت دوماً على أرض الفلسفة، لا على أرض الوسائل الفنية .

تدخل النظريات في ميدان التربية لا يحول دون قيام أبحاث موضوعية فيها :

و جملة القول أن الصعوبات المعنوية  تحدّ من التجريب في التربية وتقيم بعض العقبات في سبيله، إلا أنها لا تحول دونه .

2.                . الصعوبات الفنية:

التجريب بالمعنى العلمي غير الخبرة العملية :

     يقول كانط: (التجربة تعلمنا أن محاولتنا تقود دوماً إلى نتائج مضادة للنتائج التي كنا ننتظرها منها. ومن هنا نرى إن التجربة ضرورية وأن ليس في وسع أي جيل من الناس أن يرسم خطة في التربية كاملة دون اللجوء إليها) .

الخبرة العملية والبحث العقلي لا يغنيان عن التجربة الحقّة في التربية  

3.                القياس وصعوباته:

أول مشكلة يثيرها التجريب هي مشكلة قياس شروط التجارب ونتائجها: ذلك أنه حيث لا يوجد قياس لا يوجد علم بالمعنى الوضعي لهذه الكلمة.

فهل هذا القياس، ممكن في ميدان الفعاليات المدرسية والانتاج المدرسي ، فقد حاول المربون في جميع العصور تقريباً أن يقيسوا قدرات الطلاب وكفاءاتهم.

 وما العلامات المدرسية الرقمية التي تقدر بها قيمة الأعمال المدرسية والتي يعبر بها عن نتائج الفحوص, وما اللجوء إلى السلالم التجريبية... إلا ظواهر تثبت هذه الرغبة في الوصول إلى التقدير في مجال التربية وتثبت الاعتراف الضمني بنوع من القياس.

 فالقياس التربوي إذاً، كما يقول ثورندايك:" ينتسب إلى العصور القديمة كظاهرة,وإلى العصور الوسطى كطريقة, وإلى العصور الحديثة كعلم ".

الفصل الثَالِث : وسائل البحث التجريبي في التربية

1.                 نظرة تاريخية:

  نشأ البحث التجريبي في التربية، في مخابر علم النفس، ولم يستقل عنها إلا في نهاية القرن  19 ، وقد تركت هذه النشأة فيه صفات أساسية ظل متصفا بها ؛ كاستخدام القياس واستعمال الإحصاء الرياضي.

واتجه نشاط الرائدين الأوائل للتربية التجريبية نحو زيادة عدد الروائز وتنويعها، و خلق روائز مدرسية خاصة وتهيئ مقاييس لتقدير المعارف والمعلومات المدرسية، وبعد هذه المرحلة الأولية ؛استطاع الباحثون أن يكرسوا جهدهم لحل مشكلات التعليم وتنظيم العمل المدرسي.

    و من أهم الباحتين في التربية التجريبية:

§                    فيشر   fischer وسلّم قياس المعلومات المدرسية؛

§                   رايس RICE  وسلاسل الإملاء؛

§                   ثورندايك Thorndike أبو القياس في التربية .

2.                وسائل البحث التجريبي

      إن المنهج التجريبي الخالص في التربية الذي يطبق على عدد من الطلاب يكون بأن نقيس النتيجة التي يتركها في هؤلاء الطلاب. وقد يلجأ البحث إلى زمرة وحيدة من الأفراد وقد يلجأ إلى زمر عديدة.

وقد بين (ماك كال W.Mac. Call) بدقة أنواع المنهج التجريبي ووسائله المختلفة فيما يلي:

 طريقة الزمرة الوحيدة :

     نطبق على هذه الزمرة متغير أو متغيرات يراد قياس أثرها.

مثال لقياس أثر كل من النور الصناعي ونور النهار على مردود القراءة:

أولا، نقسم المستوى الأصلي في القراءة لزمرة الطلاب ثم نطلب منهم أن يقوموا ببعض تمارين القراءة تحث ضوء اصطناعي و اخر نهاري.

ثانيا ، نقيس عن طريق رائز نهائي النتيجة التي يحصلون عليها في هذه التمارين التي أجروها في النور الصنعي (كأن نقيس التقدم الذي أحرزوه أو ما حفظوه).

 ثم ، مقارنة النتيجتين التي حصلنا عليهما يكون الفرق دالا على أثر عامل الضوء .

طريقة الزمر المتوازية أو المتعادلة :

وتستخدم هذه الطريقة عندما يكون عدد الأشخاص المفحوصين كبير،و نقوم بتكوين زمرتين أو أكثر متوسط كفاءتها واحد، أي بتكوين زمر متجانسة متكافئة في مستواها. ونحصل على هذا التعادل بطرق تتفاوت في مبلغ موضوعيتها، كأن نستخدم أحياناً الروائز النفسية التربوية، أو نصنّف الطلاب في زمر يوحّد بين كل واحد منها التساوي في العمر، أو أن نجعلهم درجات حسب هذه الأعمار، أو أن نلجأ إلى تقديرات المعلمين، أو أن نجري التوزيع بمجرد السحب.

 

طريقة تدوير المعامل:

 وما هي إلا الطريقتان السابقتان مجتمعتين. ويمكن أن نعدّها تجربتين على زمرتين متوازيتين.

 فهي ً أحسن الطرق قيمة من الوجهة العلمية، غير أن لها مساوئ عملية تنجم بالدرجة الأولى عن صعوبة تحقيق تدوير العوامل في الشروط المدروسة العادية.

3.                وسائل التجريب غير المباشر

  أ - الاستقصاءات Questionnaire  و هناك نوعين :

الاستقصاء ذو الأجوبة المغلقة أو المحددة سلفاً : يطلب من الشخص أن يختار بين عدة أجوبة ممكنة توضع أمامه

 الاستقصاء ذو الأجوبة المفتوحة : لا يحدد فيه سلفاً أي جواب, بل تترك الإجابة كلها للشخص.

 

و  لوضع استقصاء ، يجب :

1ـ أن يكون موجزاً، ولا يتطلب وقتاً؛

2 ـ البدء بمقدمة لإثارة اهتمام الشخص. وبعدها تبوب الأسئلة في مجموعات تخص كل واحدة منها موضوعاً معيناً أو جانباً من المشكلة المدروسة. وفق تسلسل منطقي؛

 3 ـ ولا بد من اختيار الأسئلة اختياراً يلاءم الهدف المقصود؛

 4 ـ أن تصاغ الأسئلة بشكل جيد بحيث تراعى فيه المستوى الثقافي للمستجوب (اللغة والفهم) ؛ ومقبولة اجتماعيا ولا تحتوي على ألفاظ غامضة.

ب - المسح الاجتماعي social survey

وهو أسلوب من الاستقصاء ينتسب إلى العلوم الاجتماعية. أدى خدمات كبيرة في تنظيم صفوف الدراسة والمناهج والتشريع المدرسي. ويعتمد على إجراء مباحث مباشرة موضوع البحث

   ت - الوسائل العيادية في البحث التجريبي

 عند دراسة الباحث لحالات منعزلة ، يلجأ هذا الأخير إلى الوسائل العيادية "cliniques  و الطريقة العيادية لا تعني فقط الملاحظة المباشرة لسلوك المفحوص، وإنما تعني كذلك الإحاطة بكل جوانب حياته والتوفر على دراسة فردية شاملة  والعناية بحياته جملة وتفصيلا؛من هنا أتى اسم " دراسة الحالات  " الذي هو أحد أسماء هذه الطريقة.

   ث - المقابلة الشخصية  inteview   وهي أنواع:

  1 ـ الحوار الحر أو المقابلة العفوية؛

  2ـ المقابلة الحركية التي تجري عمقاً لا امتداداً depth interview ؛

  3ـ التفكير بصوت عال ؛

    المقابلة المنظمة أو الحوار الموّجه؛

  5ـ المقابلة نصف المنظمة أو الحوار المركّز: لا يهتم الباحث بتقنين الاسئلة بقدر اهتمامه بالحصول على المعلومات المطلوبة.

الفصل الرابع  : تنظيم البحث التجريبي في التربية وشروط نموه

1.                                        أهمية البحث التجريبي في التربية:

إن البحث التجريبي هو السبيل الوحيد لتطوير ميدان التربية ،

 و من الأسباب العملية التي تدفع إليه :

أ ـ التكاثر السريع في أعداد الطلاب في شتى مراحل التعليم؛

ب ـ مطلب الربط بين أهداف التنمية التربوية وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ؛

ج ـ ظهور التخطيط التربوي المتجاوب مع التخطيط الاقتصادي .

2.                شروط البحث التربوي:

أ ـ أن ينصب البحث التربوي على مشكلة تربوية وعملية

ب ـ أن تتقبل السلطات المدرسية والإدارية العمل التجريبي وتفسح له المجال، وتشجعه.

ج ـ التعاون بين القائمين بالبحث وبين الهيئة التعليمية والإداريين والباحثين الخاصين وسائر الأشخاص المعنيين بالحياة المدرسية .

د ـ تنظيم البحث التربوي بمراكز للبحث التربوي تشرف عليها منظمات خاصة أو جامعات أو ترتبط بوزارة التربية.

هـ ـ  ضرورة الربط بين التجديد والابتكار في التربية من جهة وبين البحث التجريبي من جهة ثانية .

ج -  الأجهزة

·                   من بين الأجهزة المستخدمة في البحث التربوي :

·                   التصوير الفوتغرافي والسينمائي؛

·                   مكبرات الصوت ؛

·                    المرايا ذات الوجه الواحدة ؛

·                   الآلات التعليمية ؛

·                   أدوات الإسراع في القراءة .

  د -الإحصاء والبحث التجريبي

       تنظيم النتائج ورسمها رسما بيانيا وتفسيرها كلها تحتاج استخدام المنهج الإحصائي، واستعمال متوسطات  وقرائن التحول والترابط لتفسير تلك النتائج

الفصل الخامِس: خطوات البحث التجريبي في التربية

1.                 دور الملاحظة :

  إن من الأسباب التي تدفع إلى القيام بالبحث التجريبي : تأتي من الملاحظة . وفي هذا المجال يمكن للمدرسين القيام بملاحظات هامة موحية أثناء عملهم اليومي في المدرسة، للقيام ببحوث تجريبية لتفحص الوسائل الجديدة الممكنة واكتشاف طريق التغيير.

1.                                        المدارس التجريبية:

كل مدرسة يمكن اعتبارها مختبرا عمليا للبحث التجريبي؛ وتكون النتائج أفضل كلما انخرط في هذا العمل التجريبي عدد أكبر من المدرسين.

 ومثل هذه المدارس التجريبية تنشأ عادة بالتعاون بين وزارة التربية  ومراكز تكوين المدرسين والجامعات ؛ وهي المدارس التطبيقية حاليا. و يتم اللجوء إليها لتصريف البحث التربوي باعتماد المقارنة بين نتائج التلاميذ في قسم معين عبر سنوات متتالية من الدراسة.

3.                  الحاجة إلى تجارب واسعة المدى:

إن أي طريقة جديدة في التعليم سواء كان مصدرها مدرسة تجريبية أو مدرسة عادية أجريت فيها التجربة ، تتطلب اختبارا واسعا في عدة مدارس أخرى للحصول على رؤية واضحة حول قيمة هذا الاختبار ونجاعته ؛ وهذا الأمر يتطلب انتقاء باحثين ومدرسين ممتازين لقيادة  التجربة وتطبيقها..

4.                 أثر  هاوثورن Howthorne:

 هو أثر التجديد الذي يطرأ على تجربة ما؛ وهذا الاسم أصله التجربة الشهيرة التي جرت في أحد المصانع في مدينة " هاوثورن" بالولايات المتحدة ، والمصنع تابع لشركة " western Electric " وقد أشرف على التجربة الباحث : " Elton Mayo " وكان الهدف الأصلي من البحث هو قياس الآثار التي تتركها الإضاءة وشدتها وبعض الحوافز الأخرى على مردورية العمال.

القسم الثاني بعض مبادي الإحصاء في التربية

1.                                        المقدمة

لم يعد استخدام الإحصاء مقتصراً على الدراسات الطبيعية، بل تعدى ذلك، فأصبح يستخدم في الدراسات الإنسانية على الرغم من وجود الفروق بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية ؛ وذلك بقصد الاستفادة من إمكانات الإحصاء، والمتمثلة في عرض البيانات الرقمية التي يجمعها الباحث من الميدان، في أشكال إحصائية معينة، ومناقشتها وتفسيرها. وبالتالي الوصول إلى نتائج مفيدة في الحكم على الظاهرة المدروسة. لذا تعد دراسة الإحصاء ضرورة ملحة للباحثين الذين يرغبون في استخدام أساليبه المتنوعة.

الفصل الأول : التمثيل البياني لتوزع متحول وحيد

1.                                        المدرج التكراري Histogram  :

 و هو عبارة عن مستطيلات قاعدة كل منها تمثل طول الفئة في  التوزيع  التكراري و ارتفاع كل منها تمثل القيمة التكرارية المقابلة لتلك الفئة  ولرسم المدرج التكراري نتبع الخطوات التالية.

2.                المنحنى التكراري

       هو عبارة عن منحني يمر بمعظم النقاط الواقعة على مراكز الفئات و التي ارتفاعها يمثل التكرارات . و هناك نوعان من المنحنى التكراري

أ- المنحنى التكراري المتجمع الصاعد : لغرض تحديد عدا النوع من التوزيعات يجب تحديد المتغيرات العشوائية ثم تحديد الحدود العليا للفئات و بعد ذلك يتم تعين النقاط التي إحداثياتها أزواج القيم للحدود العليا للفئات و التكرارات المتجمعة الصاعدة.

ب ـ منحنى التوزيعات التكرارية المتجمعة النازلة :  يتم في هذا النوع من التوزيعات و عند رسم المنحنى التكراري المتجمع النازل تحديد الحدود الدنيا للفئات و بعد ذلك تحدد النقاط التي تمثل أزواج القيم للحدود الدنيا للفئات و التكرارات المتجمعة النازلة

3  منحنى التوزع السوي أو منحنى غوس :

 بينت أبحاث لابلاس و غوس أن توزع أي صفة من الصفات ضمن مجموعة أم لا متناهية، يأخذ شكل منحن يشبه الجرس عرف باسم منحنى غوس أو جرس غوس. و بفضل منحنى التوزع السوي أن نحكم على علامات معينة حصلنا عليها لدى عدد كبير من الأشخاص حول صفة من الصفات، فنتبين إن كانت هذه العلامات معقولة أم لا.

الفصل الثاني : قياس المقادير المطلقة

1.                                        المتوسطات

إذا قمنا ضمن سلسلة من القياسات لمقدار ذي قيمة ثابتة مطلقة ، من مثل طول قضيب من الحديد في درجة حرارة معينة، نجد أن هذه القياسات ليست على وفاق. فكيف نعرف أيها يمثل الطول الحقيقي لقضيب الحديد؟

إننا لا نستطيع ذلك، لذا نأخذ قيمة من بين هذه القيم المختلفة ، أو قريبة منها، وهى القيمة التي تتركز القيم حولها.

 ومن هذه المقاييس، الوسط الحسابي ، و النمط ، والوسيط ، وفيما يلي عرض لأهم هذه المقاييس :

 أ - الوسط الحسابي و حسابه 

قدم الرياضي Gauss موضوعا تبناها الباحثون اليوم و هي أن الوسط الحسابي للقياسات هو أكثر قيم الكمية المقيسة احتمالا.

يعرف المتوسط الحسابي بأنه حاصل جمع القيم مقسوماً على عددها. وهذا المقياس، هو أكثر مقاييس النزعة المركزية شيوعاً في البحوث العلمية.

ب - الوسيط و حسابه :

هو أحد مقاييس النزعة المركزية، والذي يأخذ في الاعتبار رتب القيم ، ويعرف الوسيط بأنه القيمة التي يقل عنها نصف عدد القيم  ، ويزيد عنها النصف الآخر ، أي أن   50% من القيم أقل منه، 50% من القيم أعلى منه. وفيما يلي كيفية حساب الوسيط في حالة البيانات غير مبوبة ، والبيانات المبوبة.

ت - النمط و حسابه :

يعرف النمط بأنه القيمة الأكثر شيوعا أو تكرارا ، ويكثر استخدامه في حالة البيانات الوصفية ، لمعرفة النمط الشائع، ويمكن حسابه للبيانات المبوبة وغير المبوبة  

2.                                        دقة القياس

أ - الاختلاف المتوسط

  هو أحد مقاييس التشتت، ويعرف بأنه مجموعة الانحرافات المطلقة لقيم المتغير العشوائي عن نقطة اختيارية ( A ) مقسومة على عدد القيم و غالبا ما يأخذ القيمة  ( A )  أحد مقاييس النزعة المركزية الثلاثة ( الوسط الحسابي ، الوسيط ، المنوال )  

ب -  الاختلاف الوسيط ( الخطأ المحتمل )

 هو الانحراف الذي يقع وسط سلسلة الانحرافات عندما نركب هذه  الانحرافات وفق كبرها أو صغرها. فهو إذا انحراف يتصف بأننا نجد بين سلسلة الانحرافات التي هو منها عددا من الانحرافات يتجاوزه مساويا لعدد الانحرافات الذي يقصر عنه.

و إذا أردنا استخدام لغة حساب الاحتمالات، قلنا أن هذا الخطأ هو خطأ احتمال تجاوزه مساو لاحتمال عدم تجاوزه... و بهذا يفضل الخطأ المحتمل الاختلاف المتوسط .

 ت -  الخطأ المحتمل للمتوسط :

عندما نقوم بقياس وحيد يمكن أن نقع في الخطأ، و لكن إذا استطعنا قياس الظاهرة مرات عديدة، كانت النتيجة المحصل عليها أكثر دقة. و الخطأ المحتمل للمتوسط يعني أننا إذا كررنا ألف مرة سلسلة القياسات المؤلفة من مائة قياس، و أخذنا متوسط كل واحد من هذه السلاسل يكون الخطأ المحتمل للمتوسط دقيق القياس.

ث - الانحراف المعياري L'écart-type

عند استخدام التباين كمقياس من مقاييس التشتت، نجد أنه يعتمد علي مجموع مربعات الانحرافات، ومن ثم لا يتماشى هذا المقياس مع وحدات قياس المتغير محل الدراسة ، من أجل ذلك لجأ الإحصائيين إلى مقياس منطقي يأخذ في الاعتبار الجذر التربيعي للتباين ،  لكي يناسب وحدات قياس المتغير، وهذا المقياس هو الانحراف المعياري.

ج - الصلة بين الاختلاف المتوسط و الخطأ المحتمل و الانحراف المعياري

ليس هناك صلة ثابتة بين هذه القيم الثلاث عندما يكون عدد القيم محدودا، لا يخضع لقانون التوزع السوي، قانون غوس .أما عندما يكون عدد القيم ( التكرار ) كبيرا و يخضع بالتالي لقانون التوزع السوي، تقوم بين هذه القيم الثلاث صلات محددة تلخصها العلاقات التالية :

§                   الخطأ المحتمل =  0,845 من الاختلاف المتوسط

§                   الخطأ المحتمل =  0,675 من الانحراف المعياري

§                   الانحراف المعياري =  1,253 اختلافا متوسطا

ح - الفرق بين متوسطين

عندما يكون الفرق بين المتوسطين أو المتوسطات فرقا كبيرا جدا أو ضئيلا جدا، يستطيع الذوق السليم أن يفسر النتيجة و يستخلص الجواب المطلوب. اما في الأحوال الأخرى حيث يكون الفرق معتدلا، لا هو بالكبير جدا و لا هو بالصغير جدا، فالذوق السليم يخفق في مهمته هذه و يقف حائرا. إذ لو كان المتوسطان مثلا، هما 60 ثانية و 61 ثانية ( و الاختلاف المتوسط ثانيتين ) أو كانا 60 و 65 ثانية (الاختلاف المتوسط = 6 ثانية ) فهل يعزى هذا الفرق إلى الصدفة و الاتفاق أم إلى اثر عامل خاص؟ و كلا الأمرين جائز. و لابد من إجراء حساب إحصائي معين نستعين به على تقدير مبلغ احتمال أن يكون فرق ما ناجما عن الصدفة أم لا. و هذا ما يفيدنا إياه حساب الاحتمالات.

و هذا الاحتمال لا يختلف  فقط باختلاف مقدار الفرق، و إنما يختلف أيضا باختلاف دقة القياسات و عددها. و يكشف عن مقدار هذا الاحتمال القانون الذي يعرف بقانون الأخطاء. و قبل دراسة هذا القانون لابد من الحديث عن خداع المتوسطات.

خ - خداع المتوسطات و طريقة ليبمان  :

قد يقود الفرق بين متوسطين إلى نتائج خاطئة، لا لأن هذا الفرق قد ينجم عن الإتفاق و الصدفة، بل لأن المتوسط نفسه أيضا خداع كاذب، أي أنه لا يمثل سلسلة القيم التي استخرج منها تمثيلا حسنا .

د-  قانون الأخطاء

      توصل إليه غوس Gauss عن طريق البحث الرياضي مستندا إلى موضوع متصل بالوسط الحسابي من جهة، و إلى الاعتبارين التاليين :

الأخطاء الصغيرة أكثر وقوعا و احتمالا من الأخطاء الكبيرة ؛

وقوع الأخطاء الموجبة يعادل وقوع الأخطاء السالبة، و كلاهما محتمل بمقدار واحد .

إن حساب الصلة بين فرق متوسطين او فروق عدة متوسطات وبين الخطأ المحتمل، يقدم للباحث في التربية معلومات مفيدة غنية، و إرشادات تهديه في بحثته و تلقي بعض النور و الوضوح على مجاهل دراسته. و لا شك أن خير ما يصلح مثل هذه الأخطاء إلى جانب معرفتها و الوعي بها، تكرار التجارب و القياس عدة مرات، إذ لا شيء أجدى في الإحصاء عامة، و في حساب الاحتمالات خاصة، من العدد الكبير، و لا شيء أجدى في البحث التجريبي من تصالح النتائج العديدة و تأييد بعضها البعض الآخر، و التأكد من النتيجة التي تحوم حولها الشكوك عن طريق فضل من التجارب و القياسات الجديدة.

الفصل الثالث : الترابط

1.                                        حساب الترابط و معامله

في أحوال كثير يواجه الباحث حالات تتطلب دراسة متغيرين ( ظاهرتين )  أو أكثر في آن واحد لبيان طبيعة و نوع العلاقة التي تربط بها هذه المتغيرات ، حيث أن دراسة العلاقة بين ظاهرتين , ومعرفة مقدار هذه العلاقة أمر مهم جدا في حياتنا اليومية والمستقبلية , مثل العلاقة بين الوزن والطول لمجموعة من الأطفال , والعلاقة بين غياب الطالب عن المدرسة وتحصيلة الأكاديمي , أو علاقة سرعة المشي وضربات القلب , أو العلاقة بين السمنة والإصابة ببعض الأمراض مثل السكري مثلا .. وغيرها كثير، عليه فان هذا الفصل سوف يخصص لدراسة مقاييس أخرى تحدد درجة و نوع وشكل العلاقة بين متغيرين أو أكثر.

الغرض من تحليل الارتباط الخطى البسيط

        هو تحديد نوع وقوة العلاقة بين متغيرين، و نهتم بحساب معامل الارتباط في العينة  كتقدير لمعامل الارتباط في المجتمع، و يركز على نقطتين هما:

نوع العلاقة:

إذا كانت إشارة معامل الارتباط سالبة (r < 0 ) توجد علاقة عكسية بين المتغيرين، بمعنى أن زيادة أحد المتغيرين يصاحبه انخفاض في المتغير الثاني، والعكس.

إذا كانت إشارة معامل الارتباط موجبة(r > 0 ) توجد علاقة طردية بين المتغيرين، بمعنى أن زيادة أحد المتغيرين يصاحبه زيادة في المتغير الثاني، والعكس .

إذا كان معامل الارتباط قيمته صفرا ( r = 0 ) دل ذلك على انعدام العلاقة بين المتغيرين.

 قوة العلاقة: ويمكن الحكم على قوة العلاقة من حيث درجة قربها أو بعدها عن 1 ± ، حيث أن قيمة معامل الارتباط تقع في المدى( -1 < r < 1 )،

القسم الثالث : بعض نتائج الأبحاث التجريبية في التربية

الفصل الأول: الروائز النفسية في ميدان التربية التجريبية

1.                تصنيف الروائز

نصنفها على أساس أشكالها و أصولها و الوظائف التي تقوم بها أو محتوياتها أو الأدوات التي تستخدم فيها.

ü                الروائز الفردية و الروائز الجمعية

ü                الروائز اللفظية و الروائز الغير اللفظية (العملية)

ü                روائز النمو العقلي أو الذكاء

ü                روائز القابليات

ü                روائز الشخصية

ü                 الروائز التربوية أو روائز المعرفة

2.                معايير جودة الرائز

ü                صدق الاختبار  منهاجيا، إحصائيا، نفسيا و منطقيا.

ü                ثبات الاختيار أي أنه إذا طبق مرتين على شخص واحد أعطى نتائج واحدة.

ü                 الموافقة

ü                 الموضوعية

ü                سهولة التطبيق

ü                إمكان المقارنة

ü                النفع و يكون الرائز نافعا بمقدار ما يلبي حاجة معينة في الموقف الذي يستخدم فيه.

 

 

 

الفصل الثاني الأبحاث التجريبية حول قيمة المفحوص المدرسية التقليدية

العامل الشخصي في الفحوص التقليدية

تكون النقط الممنوحة من قبل الأساتذة لنفس ورقة اختبار في الغالب متباينة ، و لا تكون هذه العلامات خالية من تدخل العامل الذاتي

و بخلاف الرياضيات والترجمة و الفيزياء لا يدعان مجالا واسعا للتقدير الشخصي فتصحيح الإنشاء والفلسفة فيبدو شاقا وشائكا حسب شخصية المصحح وتقلباته.

أهم المآخذ التي تؤخذ على الفحوص التقليدية:

ü                 عدم تجانس الاختبارات.

ü                 فقدان النقد الذاتي في هذه الاختبارات

 أكد بيرون نفسه أن الروائز لا تمتاز عن الفحوص التقليدية إلا بميزة واحدة وهي الرقابة الموضوعية التي يتم عن طريقها مراقبة دقة الاختبارات وقيمتها بواسطة تحديد معدلات الانسجام والثبات والتنبؤ... وهي مهمة علم الفحوص حسب بيرون.

الفصل الثالث الأبحاث التجريبية حول إعداد مناهج الدراسة

القيمة التثقيفية لمواد التعليم:

أطلق الباحثون اسم "الانتقال" على الأثر الذي تخلفه دراسة مادة أو فكرة ما في قدرة أو وظيفة أخرى. وقد خلصت الأبحاث إلى انه للانتقال اثر إيجابي عامة غير أنه ضعيف وعندما يكبر أثره فإن مرد ذلك إلى التشابه بين مواد التدريس من حيث طرائق التعلم.

وضع المناهج:

 إن وضع المناهج يستوجب الإجابة عن الأسئلة الثلاث الآتية: لماذا؟ ولمن؟ ومتى؟ حيث يرتبط السؤال الأول بالمسلمات الاجتماعية أما الثاني فبما يقدمه علم النفس ومن بعض العناصر الاجتماعية. أما الثالث فمن نتائج علم النفس وبخاصة تطور الطفل ونمو حياته النفسية.

تعليم الرياضيات والعلوم:

فتعليم الرياضيات والعلوم خاصة ليس بوصفها مهارات فكرية مجردة ولا بوصفها مهارات عملية نافعة، بل باعتبارها نظما فكرية « Systems of thougt » ينبغي أن تفهم على هذا النمو.

تعليم اللغات:

حققت الطريقة المباشرة في تدريس اللغات نجاحات مذهلة فهي من الطرق التقليدية وتعتمد على تعليم لغة ثانية دون استعانة بترجمتها إلا أن كونها تتطلب كفاءة عالية لدى المعلمين جعل الباحثين يقرون إدخال المبتكرات التقنية الحديثة كالأسطوانات اللغوية، المسجلات، والأفلام.

التجديد والبحث التربوي التجريبي:

البحث التجريبي يتناول موضوعان رئيسيان أحدهما عملي بالبحث في نتائج المناهج والطرائق الجديدة ومقارنتها في جانبها النظري مع الطرائق القديمة.

التعليم المبرمج:

التعلم الذاتي من قبل المتعلم يتيح له رائز يقيم من خلاله نتائج تعلمه .

تطرح مسألة التعليم المبرمج مسائل عدة من بينها مدى ثبات التعليم الذي تقدمه بالنظر إلى البساطة والسهولة التي تقدم بها ما يجعل نتائجها تأتي سريعا وتذهب سريعا أيضا. كما تطرح مسألة العلاقات الاجتماعية المباشرة ما يعني افتقاد المتعلم لأحد العناصر الهامة في العملية التعليمية التعلمية.

الكتب المدرسية:

إن الأبحاث التجريبية توضح ما يمكن أن نستعمله في بناء وإصلاح الكتب المدرسية وتحسين جودتها إن على مستوى توافقها مع إمكانات المتعلم النفسية أو على مستوى توافق محتواها مع غايات المنظومة التعليمية حتى لا تبقى عرضة لانتقاد جدواها في العملية التعليمية التعلمية.


الخميس، 18 مايو 2023

الحسن اللحية: من العمل إلى الشغل - ميلاد الكفاية -


 

من العمل إلى الشغل

- ميلاد الكفاية -

 

 

 

1- ملاحظات وأسئلة

هناك أكثر من سؤال يطرح لقارئ الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1)، ولعل من أهم تلك الأسئلة أو من بين ما يطرحه القارئ والدارس للميثاق نجد مايلي: لماذا هجرت مفاهيم اقتصادية إلى الميثاق وغزت مصطلحات من مجالات التدبير المقاولاتي والاقتصادي لغته مثل: المهنة والتمهين والجودة والتقويم والتنافسية وتكافؤ الفرص والشغل والمهارة التقنية والمهنية والتأهيل المهني والتكوين المهني وسوق الشغل والعامل والعاملة، وغيرها من المفاهيم الأخرى ذات الصلة بهذه المجالات ؟، بل تتعمق أسئلة الباحث والدارس أكثر حينما سيجد أن هذه المفاهيم والاصطلاحات ترتبط ارتباطا جوهريا وأساسيا ومركزيا بمفهوم ذائع الصيت اليوم هو مفهوم الكفاية الذي تسلل إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين ليشكل الخلفية الأساس والأرضية الفلسفية والإيديولوجية للنظام التربوي والتعليمي والتكويني للميثاق الوطني دونما أن يعلن على هذا التبني الواضح لهذه الفلسفات والإيديولوجيات لعوائق شتى ترتبط بالثقافة والتاريخ و وهم الخصوصية وثقل الماضي. قلنا تسلل هذا المفهوم في غفلة من الباحثين المهتمين بقضايا التربية والتكوين والبيداغوجيا(2)، و خلسة من المشاركين في أشغاله، ونقصد بكلامنا هذا مضامين الزيارات التي احتوت على تقارير مغايرة لنظامنا التربوي التعليمي ومداخلات الوزراء وشبكات الخبراء(3)؟.

لا نجادل في أهمية التبني الرسمي لبيداغوجيا تعين نفسها باسم رسميا؛ إذ من حسنات هذا الإقرار الرسمي ببيداغوجيا الكفايات الاعتراف بوجود مجاز بيداغوجي ساد المغرب منذ الاستقلال إلى 1999، بل إن أهمية هذا الحدث التاريخي يتمثل في الدعوة لتقييم أداء ومردودية النظام التعليمي المغربي، وتحديدا بيداغوجيا الأهداف التي خلقت حولها مراكز نفوذ و مجموعات ضغط و مراكز استفادة رغم أنها لم تكن بيداغوجية رسمية كما يبدو ذلك من خلال وثيقة إصلاح النظام التعليمي الصادرة في شتنبر1985(4). ونعتقد من جهتنا أن الدعوة لتقييم هذه البيداغوجية مازالت ملحة لأن ما سقطنا فيه آنذاك لا يختلف عمن ظن أنه اكتشف الطريق إلى الحرير. ولكي لا نسقط مرة أخرى في التصورات التقنية نرى لزاما، في إطار هذه الدعوة، الإجابة على الأسئلة التالية: ما الأرضية الفلسفية لبيداغوجيا الأهداف؟ وأي نموذج للإنسان ساهمت في تكوينه؟ ولماذا حصل آنذاك أن تخلت الدولة عن الجانب البيداغوجي لسلطة أفراد وجهات؟ و ما مدلول استدراك الدولة لهذا الجانب في الميثاق الوطني للتربية والتكوين اليوم؟ ...إن الإجابات غير متعسرة ولا مستعصية لوجود ما يكفي من تراكم العاطلين بالشواهد ولعزلة المدرسة عن محيطها العام والخاص وتخلفها عن التطورات الحاصلة في المحيط، و لارتباطها المباشر أو غير المباشر  بصناعة الإرهاب(معدل سن الإرهابيين في أحداث 16 مايو يظل دالا ومعبرا).

وفي مقابل ذلك يجدر بنا أن نتساءل ما إذا كان الإصلاح الحالي (أقصد هنا الميثاق الوطني) الذي ورط الجميع ودعا إلى توريط الجميع: السياسي والنقابي والباحث و الأب والمقاول ورجل الأعمال والمسؤول الإداري والمدرس والتلميذ قادر على جعل المدرسة طليعة المجتمع، أي منبع التنوير والعلم والمعرفة، مؤثرة في المحيط بصناعتها لنخب وطنية متشبعة بروح هذا العصر مادام التكوين والتعليم يهم المستقبل لا الماضي وقادرة على المساهمة في تنمية البلاد ...؟

ترتسم هذه الصورة الخلاقة للمستقبل مع ورود الكفاية التي رددت عشرات المرات في نص الميثاق، حيث المدرسة ستخلق جسورا لا نهائية مع المحيط و ستضطلع بمهمة تحويل الرعية إلى مواطنين. والحال أن الاستدراك بالسؤال الآن واجب فكري مادمنا نسير بسرعة سلحفاة زينون الإيلي. ومن بين الأسئلة المطروحة استعجالا: ما هي الأسس الفكرية والنظرية والإيديولوجية للمقاربات بالكفايات؟ وهل انتقلنا من إنتاج ربوهات لا تفكر إلا بالأمر إلى إنتاج أدوات للإنتاج عليها أن تتكيف وتتلاءم مع سوق الشغل رغم غيابه في حالتنا الراهنة، إنتاج أفراد يحملون علامات الجودة كالبضائع، وإنتاج مخلوقات فردية ومتفردة تقوم بمهام مطلوبة وتحت الطلب، مسؤولة عن فشلها الذاتي إذا لم يتوفر لها الشغل ؟ وببيان العبارة هل سنسلم المدرسة للمقاولة، كما سبق ونبهنا إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي الراحل جيل دولوز، فتعدو بذلك المدرسة مدرسة المقاولة(5)؟....

2- ظهور العمل ومفهومه

إنني من خلال الأسئلة المطروحة أعلاه أطرح ماهية الإنسان بالذات للنقاش. ولكي أبين المنطلقات الفلسفية التي أرومها هنا سأعود إلى الوراء، والمدة لا تتجاوز القرنين ونصف القرن، مسترشدا بأركيولوجيا م.فوكو وتحديدا بأطروحة كتاب "الكلمات والأشياء" الذي بين العلاقة الوثيقة بين ميلاد الإنسان والعلوم الإنسانية (ونحن نتبنى هنا التسمية القائلة بالعلوم الاجتماعية تفاديا للبس الذي ورثناه عن التقليد الفرنسي).

إن المعادلة الصعبة التي مازالت ترمي بظلالها علينا إلى حد الآن تتمثل في كون ميلاد الإنسان تزامن وظهور الاقتصاد واللغة والبيولوجيا، وهو ما يعني أن هذه الحقول المعرفية هيأت الأساس القبلي للتساؤل عن ماهيته؛ فالإنسان يبدو في البيولوجياكائنا حيا يحيى بحياة مشروطة بشروطها الخاصة التي تقهره وتجعل حياته غريبة عنه، وفي اللغة يتحدث لغة وجدت قبله تمارس عليه ثقلها وهو يحاول أن يضمنها فكره الخاص، وفي الاقتصاد يبدو كائنا صاحب حاجات تدفعه للعمل وهو ذاته أداة ووسيلة إنتاج تخضع لشروط العمل ومنطقه.

من الواضح، ونحن نناقش هنا جانبا محددا من هذه الأطروحة، أن مفهوم العمل حديث الميلاد (6) رغم أن الناس كانوا فيما سبق من الأزمنة يعملون إلا أن العمل الذي كانوا يقومون به يدخل في الخدمة الشبيه بعمل الأقنان والعبيد. فالعمل الحديث الظهور بالنسبة إلينا خلق سوقا يتداول فيه العمل كباقي السلع والبضائع، بمعنى أن العمل أصبح موضوع مبادلة له ثمن يتناسب وكمية عدد ساعات العمل ونوعية العمل، وبالإجمال أصبح العمل خاضعا لتماثل بين العرض والطلب.

ثم لا ينبغي أن نغفل بأن العمل كما دافعت عنه الأزمنة الحديثة مصدر قيمة ومصدر ملكية، ومن خلاله يشارك الفرد في المجتمع، وهو عند جون لوك أساس الحيازة والتملك ومصدر قيمة الأشياء؛ أي أن الأشياء تصبح لها قيمة مختلفة حينما تطبع ببصمة العمل كمثل الهواء المطهر(7).

نخلص مما تقدم أن الرأسمالية الحديثة هي التي كانت وراء ظهور التصور الحديث للعمل(8). ولكي نوضح هذه الخلاصة الأولية سنتتبع تصورات مفكري الاقتصاد الكبار أمثال آدم سميت و ريكاردو وكارل ماركس مستندين في ذلك على أطروحة م.فوكو المذكورة سالفا.

إن آدم سميت هو المفكر الاقتصادي الأول الذي أدخل مفهوم العمل في التفكير الاقتصادي متخليا عن التحاليل المتعلقة بالنقد والتجارة والمبادلة. وأما العمل بالنسبة إليه فهو مقياس أي سلعة أو بضاعة كيفما كانت. وها هنا تطرح أسئلة كثيرة وعميقة، منها: كيف يكون العمل مقياسا ثابتا وهو ذاته له سعر وسعره يتغير؟ وكيف يمكن أن يكون وحدة وهو يتغير تبعا لتطور المصانع وتحوله إلى نشاط منتج عن طريق تقسيمه؟ لاشك أن الحاجة هي أصل العمل ولأن الناس لهم حاجات يبدون كما لوكانوا يتبادلون حاجاتهم عن طريق العمل وكلما أشبعوها حدوا من العمل؛ وبذلك تبدو الحاجة، في نظر آدم سميت، كمحرك الاقتصاد الدائري والعمل نتيجتها. كما لا بد من الإشارة إلى أن آدام سميت هو أول من أدخل الزمن والجهد المبذول في إنتاج البضاعة، أي أن ثمن البضاعة أصبح يقاس بزمن اقتصادي له سيرورته الخاصة هو زمن الرأسمال ونظام الإنتاج.

وأما ريكاردو فقد لا حظ أن البضاعة تمثل عملا معينا وهو محايث وسابق عليها وهو سبب وجودها، لكنه يتغير بتغير البضاعة وهو ما لا يجعله صالحا ليكون مقياس قيمتها. فالعمل نشاط منتج لأنه مصدر كل قيمة. وهكذا تبدو القيمة ذاتها منتوجة والإنتاج يتغير بتغير تقسيم العمل وأدواته و الأموال الموظفة فيه وذلك ما يجعل القيمة محددة بشروط إنتاجها.في حين ركز كارل ماركس على تراكم رؤوس الأموال وتوسع المصانع اللذين يجعلان العامل في فقر متزايد، ويجعلانه بضاعة بالقدر الذي ينتج فيه البضائع مما يرمي به ليصير منحط القيمة رغم أنه يعطي قيمة للأشياء، والنتيجة هي انفلات الأجر و البضاعة والقيمة منه. وكلما ارتفع فائض القيمة تقلص سوق العمل. وهكذا يبدو أن ما كان ينتجه العامل يصبح غريبا عنه له سلطة مستقلة تواجهه وجها لوجه لأن الحياة التي منحها للشئ- البضاعة تتعارض مع حياته: إنه الاستلاب(9).

لهذه الدواعي ارتبط تصور العمل في القرن 19و جزء كبير من القرن العشرين بالحرية الاجتماعية وظهور النزعة الإنسانية لأن هناك يوتوبيا تتعلق بنهاية الزمن.كما ارتبط كذلك بجماهير العمال فبدا أن انعدام الاستلاب يعني إقامة ماهية للإنسان تقوم على التحرر من العمل وتحريره، أي أن العمل صار أداة للتحرر الفردي والجماعي (10)؛ بمعنى أن العمل أصل الاستقلالية و بدونه لا وجود إلا للتبعية والدونية والهامشية.

ما ينبغي أن نؤكد عليه هنا بقوة وإلحاح هي أن التصورات الثاوية للعمل عند كل من آدم سميت و ريكاردو وكارل ماركس ارتبطت بالقوة الجسمانية للعامل، وبالتالي كانت المردودية والإنتاجية تنبني على المجهود العضلي ولتوضيح ذلك نجد ماركس مثلا كان يقسم العمل تقسيما عاما إلى فلاحة ونقل وصناعة، ثم إلى تقسيم خاص داخل كل مجال، وفي حالة الصناعة، مثلا، نعثر على البناء والميكانيكا و الكيمياء، ثم في الأخير يقيم تقسيما تفصيليا داخل كل ورش على حدة، وذلك ما كان يطلق عليه المانيفاكتورا التي تهتم بمختلف جهاز الإنتاج(11).

إن الاقتصار على جانب القوة العضلية يعني الجمع بين العمل الذهني والفكري وانعدام التمييز بينهما، بالإضافة إلى إقصاء أي تفكير تكنولوجي أو تقني، بل إقصاء التكنولوجيا بالذات واعتبارها محايدة لا تأثير لها في العمل ولا تستطيع أن تغير شيئا في الحياة والثقافة والرؤية. ومن هنا يبرز لنا التصور الماقبل تكنولوجي الذي يظن أن العامل هو هو، واحدا حيثما واحدا وأينما كان، العامل الذي ليست له سوى قوته البدنية. وهذا مدخل آخر لقراءة المنزع الإيديولوجي لكارل ماركس القابع تحت رحمة الفكر الكلاسيكي.

3- من العمل إلى الشغل

ربما نكون الآن استبقنا التحليل بقوة الحدس والواقع لنقول بأن هذا التصور القائم على القوة الجسمانية للعامل لم يعد هو التصور الحالي، أو بمعنى آخر أن العمل القائم على القوة العضلية الطبيعية دخل أزمة عميقة، وبالتالي اكتشف العامل أن تحرره بالعمل وتحريره للعمل لم يكن سوى وهم خالص لأن مجهوده العضلي لم تعد له تلك المكانة التي انبنت عليها التصورات الاقتصادية الكلاسيكية، وأن الآلة التي كانت محايدة بدأت تزيحه شيئا فشيئا ليبدو مهزوما أمامها بالتدريج، مرغما على استدماجها في ثقاقة العمل، وأن العمل أضحى قائما على الفصل التام بين العمل الذهني والعضلي، وأن الإنتاج عامة أصبح تقنيا – تكنولوجيا وذهنيا أكثر فأكثر وآليا- أوتوماتيكيا.

كما لا تفوتنا الإشارة إلى أن العمل يكسب الإنسان هوية وانتماء لجماعة معينة تكاد تحدد هويته إلا أنه بدخول العمل الأزمة التي أشرنا إلى بعض خاصياتها يكون الإنسان ذاته يعيش أزمات كثيرة ومن الإحالات الدالة عليها نجد مايلي:

أولا: إن اختفاء التحاليل المستندة إلى مفاهيم كالطبقة العاملة والبورجوازية والرأسمال ورب العمل والصراع الطبقي يدعونا لفهم ما يحدث في عالم العمل لأن الحديث يدور اليوم حول الشغل وفرص الشغل والمهام والعمليات والوظائف والأدوار والمواقع لنعني بشكل خاص ممارسة نشاط يسمى العمل(12).

ثانيا: إن التحولات التي أصابت مفهوم العمل اليوم، وذلك منذ بداية القرن العشرين، ترتبط بالأشكال الجديدة لتقسيم العمل والتطورات التكنولوجية وتنظيم العمل. فعلى مستوى تنظيم العمل يخيل للباحث كما لو كان العمل أو الشغل هو مدار رهانات القرن العشرين، مدار رهانات معرفية و اجتماعية وفردية لأننا نجد حقولا معرفية مرتبطة به مثل السسيولوجيا(سسيولوجيا الشغل وسسيولوجيا التنظيمات)، ثم علم النفس الشغل وقانون الشغل والاقتصاد العام و الاقتصاد السياسي، هذا فضلا عن النماذج التدبيرية التي لا تخلو من استدماج تخصصات معرفية كثيرة ومتعددة كالتواصل وبعض فروع علم النفس والاجتماع والاقتصاد والقانون .

والملاحظ أن هذه النماذج التدبيرية المقاولاتية التي فرضت تصوراتها للشغل غزت مجالات غير مجال الشغل ومنها مجالات التربية والتكوين. ومن بين هذه النماذج نجد، على سبيل المثال، الفوردية والفايولزمية والتايلورية والطيوتية والتدبير بالأهداف وعلوم التدبير التي ظهرت في سنة 1920 مع شركة جنرال موتورس والمقاولة النسق في سنة1950 والأرغونومي(13)...

ما ينبغي أن نشير إليه في عجالة أن هذه التنظيمات المقاولاتية تختلف جذريا عن الورش الذي فكر فيه كارل ماركس ولعل أهم وأبرز مكامن الاختلاف والقطائع تتمثل في الفصل التام بين العمل الذهني وغير الذهني، وهو ما أثر تأثيرا قويا على تقسيم العمل ومفهوم العمل و العامل، لأن التقسيم الجديد للعمل يفترض المهمة ومنصب الشغل، وفي الآن نفسه تناسبا ما بين الإنسان والآلة، حيث أضحى المهندس والتقني كالرأسماليين أصحاب ملكية أفكار وتصورات وقدرة على الإنتاج والإبداع، يتصرفون كالرؤساء الفعليين للمقاولات(14).

وأما الجانب التكنولوجي والإعلامي والسبرنطيقي(15) فإنه يكاد يكون الجانب الأساس في التحولات التي عرفها العمل لأنه زحزح الأسس الكلاسيكية التي نذكر منها الجوانب التالية:

1- لا شك أن التحولات المتسارعة التي عرفها القرن XX أثرت في مختلف أشكال الإنتاج، حيث بدا واضحا للعيان تقليص اللقاء المباشر بين الإنسان والمادة وتزايد مهام المراقبة متبوعة بتثبيت معلوماتي وتدبير إعلامي وتنبؤ بالتعطل(16). إننا أمام ظاهرة جديدة لم يعهدها القرنان 18و19 هي الإنتاج الأوتوماتكي الذي يقوم على الآلة وتجميع المتخصصين، بل إن لغة التواصل ذاتها عرفت تحولات جذرية من لغة طبيعية وواصفة ولغة ميكانيكية إلى لغة مشفرة مرمزة متحكم فيها وهي تتحكم في سيرورة الإنتاج كله، تتباين وتختلف حسب شعب الإنتاج من تصنيع و نقل و تسيير ومراقبة وخزن و تحويل، لغة تبدو للناظر من أول وهلة كلغة السحرة (17) تطارد اللصوص والغرباء والأميين.

2- إذا ما أخذنا بالمعطى التكنولوجي والإعلامي المشار إليهما سابقا سنفهم لماذا صار العمل موحدا في الرؤية والتصور والإنتاج. وإذا ما أخذنا بالنماذج التدبيرية سنفهم كذلك ما يعنيه الاستهلاك والبنية التدبيرية والهيكلية للمقاولات اليوم(18)، بل وقد نعثر على مدخل لفهم الأزمات الداخلية والجوانية التي تصيب العائلة و المعمل والمدرسة والنقابة والحزب والدولة، وهي كلها دواخل، كما يقول جيل دولوز، تعيش أزمات الشغل، وبالتالي التخطيط والتنمية المستديمة وسبلها. فعلى مستوى العمل كان تقسيم العمل في القرنين 18و19 يقوم على العمل واللاعمل(19).وأما في أيامنا هذه فإننا نعيش في مجتمع عمل بدون عمل، والأسباب في ذلك كثيرة منها وجود جيش من العاطلين والاحتياطيين وهو ما ينبئ بانعدام العمل المكتمل، أي أن البطالة أصبحت معممة في القرن العشرين تطال صاحب الشهادة والموسيقي وغير المتمدرس... ثم إن العمل القار صار امتيازا لا تحصل عليه إلا قلة من الناس، وهي قلة مهددة بأنظمة الاستهلاك المعممة ومبدأ الليونة في التشغيل وبالديون.وأخيرا سيادة مبدأ تقليص ساعات العمل(20).

والجانب الثاني الذي تجب الإشارة إليه هو وحدة أنماط الاستهلاك وتوحيده عالميا. وكان من دواعي هذا التعميم العالمي للسوق أن أصبح الرأسمال يدور في مدارات افتراضية: أسهم، مؤشرات البورصات لا علاقة لها بإنتاج الثروة الوطنية وتلبية مطالب الشغل. ثم إن قوة العمل المؤهلة أصبحت تجوب العالم كله وهي في خدمة الشركات الكبرى لخلق مستهلك جديد دون إعطاء قيمة للقرارات المحلية والوطنية.

ولا شك أن هذه التحولات سترمي بظلالها على المدرسة والتكوين والتشغيل، بل إنه في عالم يتغير بسرعة كبيرة ستبرز الحاجة إلى التلاؤم بين التكوين والتشغيل(21)، وذلك هو الميلاد الفعلي للكفاية. ولإبراز هذا الظهور غير المفاجئ و لا المعجز سننطلق في تحليلنا هذا من توضيح العناصر التالية:

أولا: بناء على الخلاصة التي ذكرناها آنفا نلاحظ أن التعليم مؤسس على برامج قارة غير متكيفة مع المحيط العام، وهو ما يعني أن المدرسة لم تعد سيدة اللعبة لوجود نقص في التكوين و عدم مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية وطغيان النزعات الأكاديمية(22) وتوارت النزعات التقليدانية والسلفية التي تجتر الماضي وترى من خلاله الحاضر والمستقبل. ولهذا السبب بدا الاهتمام بإصلاح الأنظمة التربوية وتبني مسالك التمهين.

ثانيا: إن هذا التحول العميق الذي سبق وتحدثنا عنه الحاصل في الإنتاج الجديد دعا إلى طرح مسألة التكوين والتأهيل المستمر، وإلى تعدد رهانات التعليم من منظور النفعية. ولذلك أصبحت الأنظمة التكوينية تلعب دورا كبيرا في سياسة التعديل الاجتماعي (23)؛ ومعنى ذلك أن تعليم الكبار وتكوين العاملين أضحى يكتسي طابعا سياسيا لا طابعا تقنيا. وللتدليل على ذلك نجد اليوم البحث الذؤوب عن أشكال جديدة ومبتكرة ومصطنعة لإثبات الصلاحيات و تنمية ومضاعفة مسالك التكوين إما عن طريق الحوارات الدائرة حول التكوين الأولي والتكوين المستمر(24) أو عن طريق سن سياسات عامة بالتفاوض للنظر في مصير الشواهد والدبلومات(25).وعليه أصبح مبدأ الكفاية مؤثرا وبقوة كبيرة في توجيه السياسات الوطنية التربوية والتكوينية للملاءمة بين التكوين والتعليم و السوق وسوق الشغل (26)، علما أن التكوين بوجه عام أصبح خاضعا وتابعا في المقاربة التدبيرية لسوق الشغل وبذلك دخل الزمن المدرسي  أزمة المقاولة.

ثالثا: نلاحظ أن الكفاية تتوافق و مبدأ الليونة في التشغيل، وهو مايعني أن منصب الشغل أضحى فرصة غير متاحة للجميع من منظور قانوني و من منظور متطلبات سوق الشغل ومطالب المقاولة. فالمقاربة هنا هي أن المنصب يرتبط بالمهمة أو الوظيفة أو الدور المحدود في الزمان والمكان. والمهام والأدوار تتطور وتتغير وفق معطيات عديدة والمنطق يقتضي القضاء التام على الشغل القار من أجل استمرار المقاولة. ولذلك ظهرت الكفاية في الاتفاقات بين المقاولات وشبكات التصنيف، وأصبحت جزء من الخطاب الباترونالي ومجالا لحوار اجتماعي وسياسي لأن إثبات صلاحية ما يعني إعطاء قيمة اقتصادية واعتراف اجتماعي للشهادة أو الدبلوم أو التكوين(27)، أي الاعتراف بالفرد الحاصل عليها. وهكذا تبدو الكفاية خاصية تعين الفرد في فرديته المطلقة، حيث الأجير يتنافس مع الأجير الآخر (28) في غياب وحدة الشعور والهوية المهنية، وذلك ما يقودنا نحو مصير يمحو الانتماءات المهنية و سيطرة منطق المقاولة والسوق على القيم الفردية والجماعية والثقافية. و على وجه الإجمال فإن البقاء سيكون لمن يستطيع الاستجابة لهذين المنطقين: منطق المقاولة ومنطق السوق وهنا وجب التساؤل عن مصير الإنسان والمعرفة كمعرفة و مصير سياسات التضامن والحقوق الاجتماعية والفردية والسمات المميزة والمعينة للمواطنة، أي ما معنى أن نكون مواطنين في أزمنة تحدد المعاني في السوق ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هوامش

 

1- الميثاق الوطني للتربية والتكوين الطبعة التي أصدرتها اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين.يناير2000 المملكة المغربية.

2- نقصد هنا الكتابات التي تناولت موضوع الكفايات تأليفا وترجمة عند الباحثين المغاربةوالتي أتت كلها بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

3- لاحظنا أن غياب الكفاية على مستوى البيداغوجي كان جليا سواء لدى الخبراء (شبكة الخبراء) [المجلد الثاني باللغة الفرنسية.غشت 2000 الوثيقة 8/9] أو في مساهمات الخبراء في تشخيص وطرق إصلاح نظام التربية والتكوين [المجلد الثالث .غشت 2000 الوثيقة 8/9 ].

كما أن الكفاية لم ترد في التقارير الاستطلاعية لبعض أنظمة التربية والتكوين بالخارج [المجلد7/9، غشت 2000 ] التي شملت الأردن وفلسطين، سوريا ولبنان، الشيلي ،المكسيك والسالفادور، ألمانيا وهولندا، كندا، إيطاليا وهنغاريا، إسبانيا والبرتغال، النرويج وفلندا.

وغاب أي تصور أو ذكر للكفاية في الاستماعات للوزراء المكلفين بقطاعات التربية والتكوين [المجلد 3/1/9، غشت2000 ].

4- وثيقة لإصلاح النظام التعليمي شتنبر1985.

5- الحسن اللحية، مدرسة المقاولة، جريدة الأخبار المغربية العدد 20-فبراير2004 الرباط.

6- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

7- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.p.104-105.

8- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

9- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.p. 106.

10- Karl Marx, Extraits des Manuscrits de1844.ed.sociales, p.404-406

11- Yves Charles Zarka, Figures du pouvoir. Ed.Puf. Paris.Chap.VI.ibid.

12- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.

13- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.p.2

في سنة 1920 عرف النوذج الفايوليزمي وهو من ابتكار المهندس الفرنسي هنري فايول الذي يركز على حضور السلطة القائدة.وهنالك كذلك الطويوتية والتيلورية والفوردية التي ظهرت في 1913 على يد هنري فورد وتقوم على فكرة إدماج العمال في الأرباح. أما التايلورية التي تعود لفريدريك تايلور فتتأسس على عقلنة الإنتاج والتمييز بين التصور الذهني والتنفيذ العملي وتنفيذ المهام: المهندس/العامل. من أهدافها تعزيز مراقبة سيرورة المراقبة والتمييز بين الذهني واليدوي و استدماج النقابة في المقاولة وخلق نظام أخري اختلافي والتحكم في الوظائف وتقسيم الوقت إلى وحدات وانتقاء العمال ودراسة الأزمنة المستغرقة في الإنتاج لاكتشاف التأخرات.وفي بداية الأربعينات من القرن 20 انبنت علوم التدبير في أمريكا على أربعة مبادئ هي 1)- تحديد المهام وتخصيصها 2)- وحدة القيادة 3)- الحد من السلط العليا في السلم التراتبي 4)- التنظيم وفق أهداف.

 في حين يركز التدبير بالأهداف على تحديد الهدف والأهداف المجاورة والأهداف العامة للمقاولة. أما التدبير الذي ظهر في 1920 بشركة جنرال موطورس فيقوم على البنيات غير المتمركزة والليونة في حل المشاكل والملاءمة بين الوسائل والحاجيات والتنسيق على مستوى القيادة والمراقبة التدبيرية المصححة والأخذ برأي المسؤولين المباشرين والعمل بلوحة القيادة.

وقد ظهرت المقاولة النسق في 1950 مصحوبة بالثورة الإعلامية والسبيرنطيقية و المعالجة الأوتوماتيكية للمعلومات.في حين يهتم الأرغونومي بالتفاعل الحاصل بين الإنسان من جهة وأدواته ومحيط عمله. ويقوم على فكرة النسق لأنه يهتم بوظائفية جميع العناصر مثل شروط العمل ودراسة الأنشطة ومشاكل الملل وأشكال تنفيذ المهام والتنظيم الجماعي...

14- Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

15- يقول مارتن هايدجر:" إن الإنسان في غنى على أن يكون نبيا حتى يعرف أن العلوم الحديثة في استعمالها من قبله تضع له حدودا تعيقه وتقيده بعملها الأساس الذي هو علم التوجيه (السبيرنطيقا)" Question IV.Gallimard, Paris 1967.

راجع كذلك ن.ويرنرN.Wierner. السبيرنطيقا والمجتمع باريس 10/18 .1962.

16- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.

17- Naville Pierre, Travail:nouvelle division du travail, Ency. uni. France 2001.

18- Claudio Nascimento, Mutations au sein du travail et du syndicalisme. Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

19- Mottez Bernard, Travail.2001,Ency. Universalis France.CD 2.

20- Alliance pour un monde responsable pluriel et solidaire. Pole de socio-economie de solidarité, Transformations dans le monde de travail.

21- Paul timmermans, L'approche par compétences un outil de regulations. In Compétences en action.éd. Laisons .Paris 2000.

22- Paul timmermans, L'approche par compétences un outil de regulations. In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.

23- Jean Pierre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.229.

24- Jean Pierre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.230.

25- Pierre giorgini, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.43.

26-  Jean Piérre Bellier, In Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.224.

27- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.177-179.

28- Jean Michel Joubier, Compétences et dialogue social in Compétences en action.éd. laisons.Paris 2000.p.181.

 


الثلاثاء، 16 مايو 2023

النقابات: التشبث بقانون الوظيفة العمومية... المتعاقدون

الوزارة و منصب الأستاذ الباحث

هاد الجزائر خاصها تحيد من الخارطة

الحسن اللحية: مطلب الإبداعية في التدريس

 




تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة؛ فلاح يغذيها و جندي يحميها و معلم يربيها

عن جبران خليل جبران

يتكفل الآباء بعيش أبنائهم، و يؤمن المعلمون العيش الكريم للجميع

عن أرسطو طاليس

 

 

 

 

ميز فليب ميريو انطلاقا من الطريقة التي يدرك من خلالها التفريق بين التلاميذ بين تصورين نظريين كبيرين في البيداغوجيا الفارقية، حيث نجد التشخيص القبلي أو التدبير التكنوقراطي للفوارق من جانب أول والإبداعية المنظمة أو القصدية القائمة على الإبداع والضبط من جانب آخر.

و يرى فليب ميريو أن التشخيص القبلي يقود إلى انحسار بيداغوجي سواء تعلق الأمر بعقلنة الوضعية التعلمية بغاية بلوغ تبولوجيا للعمليات الذهنية التي يمكن معالجتها أو الأخذ بعين الاعتبار جميع الفروق (الرمزية والعاطفية والاجتماعية) في استثمار بلا حدود.

 يتجلى الانحسار في كون أنه لا علاج بيداغوجي يمكن استخلاصه ميكانيكيا  من خصائص الموضوعات التي ليست في واقع الحال سوى موشيرات للموثوقية بالمقارنة مع المقترحات الديداكتيكية التي نتخيلها هناك دوما.

ويخلص ميريو في الأخير إلى أن التدبير التقنوقراطي للفروق يساهم في سلبية مكانة الذات في تربيتها الخاصة. فهو يخلط بين تكوين الأشخاص وصناعة الأشياء.

فالإبداعية المنتظمة لا تتوقف عند بيداغوجيا الأسباب، بل تتوخى الشروط.، كما أنها تتقبل الواقعية التي لا رجعة فيها القائلة بأنه ليس لدي سلطة مباشرة على وعي الآخر ولا يمكنني في جميع الحالات الاشتغال على تعلماته بشكل ميكانيكي.

 إن الإبداعية في الممارسة البيداغوجية تعطي الحق للمدرس في الفعل ورد الفعل وسن طرق ووضعيات وعدد و تقنيات وأدوات بيداغوجية لتسمح للتلاميذ باختلافهم بالتعلم.

تجهتد هذه البيداغوجيا لتفكر في الشروط نفسها لخلق فضاءات وتوفير أدوات وإغناء المحيط والسماح بالتعبير؛ فهي مهتمة بجعل القسم مكانا للأمن بدون ضغط تقويمي دائم، ودون سخرية أو تهكم في حالة الارتباك أو الفشل. كما أنها تشجع على الرؤية الإيجابية وغير المتوقع وتنمية خيال التلميذ حتى يستطيع كل تلميذ في فارقيته إيجاد ما يسمح له بالتعلم. كما تعمل على إبداع وسائل جديدة بلا توقف.

والحاصل أن رهان البيداغوجيا الفارقية يرتبط بنموذج المجتمع المتطلع إليه فقط ، بل يرتبط بالتلميذ أساسا.

هناك نموذج آخر هو النموذج التقنوقراطي الذي يضع كل فرد في مكان قار، نموذج ينهل من العلم حول الفوارق بين الأفراد حتى يستطيع التخطيط أوالاستبعاد و التصنيف و القولبة و الضبط و التحكم ...إلخ.

 نجد في المدرسة هذه المحاولة التوتاليتارية التي تدفع بمنطق العقلنة والتحكم إلى أقصى الأقصى مما يجعل هذا المنطق المتطرف يفضي إلى مدرسة حيث العلماء يعرفون مسبقا "شخصية" تلاميذهم- المرضى، وبالتالي يمكنهم وصف العلاجات وبرمجتها للوصول إلى المعارف التي حددوها. فمثل هذا النظام يتوخى، باسم الخير العام، تحديد، بالنسبة لكل فرد، مستوى العمليات الذهنية الفعلية والمكتسبات السابقة البنيوية والوظيفية، ونوع العلاقة مع المعرفة والتوجه الليبدي والاندفاعي، والاستراتيجيات التعلمية لكل فرد في المجال المعرفي والعاطفي والحسحركي ومستوى الانتباه وإيقاع التحصيل ودرجة المرونة الابستيمولوجية ونسبة الاندماج في المجتمع.

هناك من جانب آخر إيديولوجيا علمية كاملة تنطلق من النزعة البيولوجية مدافعة عن وهم أو يوتوبيا المساواة، معتبرة أنه على التربية أن تنطلق من المعطيات البيولوجية للوصول إلى غائية ساذجة. وإنه لمن الخطورة بما كان أن نضع المدرسة في مهب الإيديولوجيا البيولوجية بحتميتها الصارمة التي تعتبر الإنسان حيوانا كباقي الحيوانات

فأمام هذا السيناريو الكارثي – الذي ليس فعليا خالصا- ولحسن الحظ فإن الذات الإنسانية تقاوم دائما، هناك من يرى بأن الغاية القصوى للبيداغوجيا الفارقية هي تحرير الفرد باعتباره كائنا حرا ومستقلا يتمثل مشروعه السوسيوسياسي في مجيء مجتمع متعدد، حيث يجد كل فرد في أي لحظة جميع الفرص للتفتح الأخلاقي والاجتماعي.

وحاصل ذلك أن هذه البيداغوجيا ترتكز على الفرد، على فرادة الفرد، على نوعيته في اختلافه حتى تمنحه كل إمكانات التفتح. وإذا ما استحضرنا تصور جون بيير أستولفي فإن مشروعا مثل هذا المشروع يكون وفيا لروح المعبئين للفارقية البيداغوجة حيث يظل الرهان بالنسبة إليها مرتبطا بدمقرطة التعليم. إنه الإجهاد من أجل تشغيل ساكنة من التلاميذ غير متجانسة أكثر فأكثر داخل نفس الأقسام تجتمع أكبر مدة زمنية ممكنة. ولبلوغ ذلك وجب اقتراح، بالنسبة للجميع، تنويعا في الأنشطة والعدد المؤسساتية لبلوغ الأهداف المرسومة. فدمقرطة النجاح المدرسي تناقض التوحيد المقارن الذي يصنف التلاميذ فيما بينهم ويترجم الفوارق باللامساواة.


الأربعاء، 10 مايو 2023

الحسن اللحية : في مساءلة ممارستنا الصفية


 

 

في مساءلة ممارستنا الصفية

الحسن اللحية

 

الباحث الذي لا معركة فكرية له يعيش كالظل

 

 

طرحنا في يوم ما السؤال التالي: ما الذي جعل ممارستنا البيداغوجية في المغرب اختبارية و تبسيطية و تجريبية  و اختزالية و وضعية لا تتجاوز بدايات القرن التاسع عشر في آخر المطاف؟

إن أول سبيل لتلمس الإجابة عن سؤالنا أعلاه  يتمثل في غموض ما نعنيه في المغرب بعلوم التربية. فهذا التخصص وحده كان عليه أن يوضح الالتباسات التي تطال المشكل البيداغوجي في المغرب منذ أن تأسست مراكز التكوين بعامة. و نعني هنا بعلوم التربية تحديدا  فلسفة التربية و سوسيولوجيا التربية والسيكولوجيا و ما عدا هذه التخصصات أو الحقول المعرفية الكبرى يكون كل انتماء لعلوم التربية بالتبني لا بالشرعية المعرفية. فهذه التخصصات هي التي تهمها  إشكالات كثيرة منها:  ما معنى التربية ؟ و ما معنى البيداغوجيا؟ وما معنى التعلم وكيف يحصل؟ و لماذا ينبغى أن يرتبط التعلم و التنشئة الاجتماعية أو بناء الذات بالبيداغوجيا والتربية، أو لنقل كما يسميها المفكرون الكبار (كانط، أوغست كونت، دوركهايم ...إلخ) كيف  يرتبط كل ذلك بعلم التدريس أو فن التدريس أو علم التربية؟

ها هنا كان على الخطاب التربوي والبيداغوجي أن يشتغل على ارتباط البيداغوجيا بالتعلم والتنشئة الاجتماعية والغاية من التربية و أساسها ، وأن يبين بأن البيداغوجيا تهم الذات المتعلمة في جميع أبعادها  لتنشئة إنسان ما ، و بالتالي فإن الخطاب البيداغوجي- التربوي  هو خطاب عن الإنسان و ليس خطابا أداتيا اختباريا لا علاقة له بالمدرس(ة) و الطفل(ة) و المكون(ة) و المفتش(ة). و بتعبير أدق فإن كل خطاب بيداغوجي- تربوي هو خطاب في تربية الإنسان في آخر التحليل.

إذن سيكون خطاب علوم التربية هو أن يفتح للذات العارفة إمكانية أن تكون مسؤولة عن الخطاب البيداغوجي والتربوي مسؤولية فكرية وقيمية و مصيرية مادام خطاب البيداغوجيا خطابا في الإنسان. وهذا معناه أن الخطاب البيداغوجي ليس خطابا محايدا، وليس خطابا موضوعيا... إنه خطاب من أجل غاية فلسفية في آخر المطاف مهما كانت خلفيته السيكولوجية أو السوسيولوجية.

فالخلاصة الأولى التي نستخلصها من هذه النقطة أن الخطاب البيداغوجي المتهافت على الحياد والأداتية و النزعة الإجرائية الفجة – الذي يستسهل البدائل البيداغوجية أو يختزله في عناوين جوفاء كما حال علوم التربية في عدة التكوين في مراكز التكوين-  لم يكن يعي خلفياته في علوم التربية و لا غائياته و أسسه الفلسفية ، و لذلك ساد التبسيط و غابت الاختيارات الفكرية والحوار الفكري و انتعش فكر الهذيان التجريبي و استسهال خطاب علوم التربية.

 

و النقطة الثانية في تقديرنا لتفسير هذا التبسيط المعمم في خطاب علوم التربية منذ بيداغوجيا الأهداف إلى اليوم هو غياب التصور الفلسفي العام للتربية في المغرب. ماذا يعني المغرب بتربية الإنسان المغربي؟ ومن أين لنا بهذا التصور؟ وهل كل من نظر لنموذج بيداغوجي أجوف  في المغرب كان يطرح تصورا فلسفيا للتربية؟ و أي فلسفة في التربية  ينبغي أن ترشدنا إلى ذلك؟

يبدو أن السؤال حول التربية ظل غائبا منذ الاستقلال إلى اليوم رغم ما قد يعترض علينا البعض به من وجود بعض الوثائق الرسمية كالميثاق الوطني للتربية و التكوين أو الاجتهادات المعزولة هنا و هناك منذ كتاب الأستاذ الكبير محمد عابد الجابري حول التعليم وصولا إلى اجتهاد الاستاذ بوبكري في فلسفة التربية.

فالملاحظ أن الوثائق الرسمية كالميثاق لم تبلغ درجة كبيرة من النضج الفلسفي لتطرح تصورا لماهية التربية. كما أن الاجتهادات المذكورة ظلت محصورة لأن المطلب الثقافي و السياسي في المغرب لا يحبذ الأطروحات و النقد الجريء، بل لا يستقبل الخطاب الفلسفي في التربية بترحيب وضيافة كبيرين.

إن حالة الارتباك الذي أصاب علوم التربية منذ بداياتها في المغرب واضح للعيان. يكفي تفحص ما تقدمه كلية علوم التربية و شعب الفلسفة وعلم النفس و السوسسيولوجيا ، و ما تدرسه مراكز التكوين ، و كيف تفهم في المذكرات المنظمة للامتحانات المهنية ... فالجميع يتحدث عن علوم التربية و الجميع لم يأخذ علوم التربية على مأخذ الجد ليسأل السؤال التاريخي: ما هي علوم التربية؟

إن التفكير في التربية ، بل الكتابة في التربية تبدو دونية و لا أهمية لها في المغرب ، و ذلك ما يبدو من خلال تهميش لا شعوري ، ومن خلال جوائز اتحاد الكتاب في المغرب. و نحن نتساءل لماذا تغيب فلسفة التربية في الكليات و مراكز التكوين شأنها شأن سوسيولوجيات التربية  و مختبرات علم النفس؟ لماذا اختزلت علوم التربية في مراكز التكوين في تفاهات ديداكتيكية؟ من يحاربها ومن المستفيد من تغييبها؟

نقول لكل هؤلاء و أولئك أن علوم التربية هي من صميم العلوم الاجتماعية والفلسفة ، و لم و لن تقتلها رغبات المبسطين و الظلال التابعة ... لأن التربية هي معركة الفيلسوف و السوسيولوجي و السيكولوجي و الاقتصادي و الانتربولوجي و الإثنولوجي ....إلخ. إنها معركة المعارك، فلنفكر في هيجل و كانط و دوركهايم و سبنسر و فابر و ميرويو و غير هؤلاء كثير ... لندرك جهلنا و تفاهتنا.